تقرير تركيبي
الورقة التأطيرية للندوة الوطنية
بما أننا تربينا في مركز التنمية على الاشتباك مع القضايا المصيرية لوطننا الحبيب، فقد ارتأينا دعوة مجموعة من خيرة الفعاليات الحقوقية والأكاديمية والنضالية لنتطارح وإياهم موضوع العدالة الانتقالية في ارتباطها مع ثقافة حقوق الإنسان: رؤى /شهادات / استشرافات. وذلك يوم السبت 14 دجنبر 2024 انطلاقا من الساعة 15و30 د بعد الزوال بمركب نادي الاصطياف بمراكش التابع لوزارة العدل، شارع مولاي عبد الله "شارع اسفي سابقا ".
وهكذا سنتفيأ جميعا ظلال وفاء ومحبة لعزيز افتقدناه جميعا: إنه الفقيد احمد شوقي بنيوب، سليل شجرة جذورها وطنية واغصانها يسارية وقطافها حقوقية. عاش الفقيد موسم هجرته نحو العدالة الانتقالية بفرح متوثب ومشى فوق الغامها بصدق وطني وترفع نبيل، يحاور هذا ويقنع ذاك، ويخطب هنا ويساجل هناك بشجاعة دون وقاحة ومرونة دون ضعف. وفي تعاطيه مع التقارير الأممية كان ينقب في المنطقة الرمادية ليميز بين الحقوقي والابتزازي.
وبما ان اهل الاختصاص أدرى بشعاب ثقافة حقوق الإنسان في ارتباطها بالعدالة الانتقالية في شرطنا المغربي، فإننا نلتمس من رحابة صدر هم الأكاديمي السماح لنا -في حدود اطلاعنا المتواضع كمتتبعين للشأن العام ـ بالإشارة الى بعض المميزات التي طبعت النسخة المغربية من عدالتنا الانتقالية ومسارنا الحقوقي والتي نجملها في ما يلي:
ان المغرب يعرف نقاشا حادا في ظاهره ولكنه صحي في عمقه من اجل تجويد ترسانته القانونية قضائيا وحقوقيا وجنائيا ومدنيا .
أن احداث هيئة الانصاف والمصالحة جاء بعد القوس الذي فتحته تجربة التناوب التوافقي، ونتيجة لالتقاء ارادتي الدولة والمجتمع في لحظة ذكاء جماعي من اجل تنظيف الذاكرة الوطنية من ماضيها الاليم، والمساهمة -في حدود السقف السياسي الممكن وقتئذ-في فك لسان الوطن من حبسته الديمقراطية.
- انها غطت اطول الفترات في تاريخ تجارب العدالة الانتقالية في العالم (43 سنة) من 1956الى 1999.
- انها تمتعت بصلاحية منح تعويضات مباشرة لما عرف تداولا بضحايا سنوات الرصاص والصمود.
انها انحازت الى المقاربة السياسية عوض المقاربة القانونية، وفضلت الحقيقة التصالحية على الحقيقة القضائية، لذلك سمع صوت الضحية وأخفي صوت الجلاد وتنازل الإنصاف من اجل جبر الضرر. ويعزى ذللك الى الصعوبات والاكراهات التي واجهتها الهيئة والمتمثلة في محدودية الشهادات وفراغات الارشيف الوطني والتعاون الحذر من بعض الأجهزة المرتبطة بموضوع الانتهاكات واكتفائها احيانا بتقديم أجوبة مغتبشة .
ورغم كل ذلك، فلا مزايدة على الشرفاء والشريفات من اي موقع كانوا، لإن فضيلة الاعتراف تقتضي التثمين والإشادة بما قدمه الفقيد احمد شوقي بنيوب وأمثاله من ايقونات العدالة الانتقالية كالفقيد إدريس بنزكري والفقيد احمد حرزني، من تقدم حقوقي لا ينكره الا جاحد.
وأخيرا، كم سيكون الجسم الحقوقي والمدني مبتهجا إذا تم استكمال توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة بطي بعض الملفات التي لازالت عالقة. مثل تلك المرتبطة بالاستخبارات العابرة للقارات وبضحايا بدون جثث ولا شاهدات قبور. كل ذلك ممكن مادامت إرادة الدولة وإرادة المجتمع يسعيان للتخلص النهائي من ارث الماضي والتوجه بثقة نحو المستقبل لتحقيق انتقالنا الديمقراطي المنتظر. وما ذلك على همتنا الجماعية بعزيز.
مركز التنمية لجهة
تانسيفت.
نظم مركز التنمية لجهة تانسيفت ندوة وطنية في موضوع "ثقافة حقوق الإنسان: رؤى وشهادات واستشرافات" بتعاون مع وزارة العدل وبتنسيق مع أسرة الفقيد احمد شوقي بنيوب. يوم السبت 14دجنبر 2024. بقاعة مركب نادي الاصطياف لوزارة العدل بمراكش الذي كان في مستوى هذا الحدث الكبير بحضور نوعي
وكمي متميز ومداخلات غنية بالمعرفة حقوقيا وأكاديميا وذلك احتفالا باليوم العالمي لحقوق الإنسان وبعشرينية هيئة الإنصاف والمصالحة وعرفانا ووفاء لروح الفقيد احمد شوقي بنيوب. في بداية هذه الندوة الوطنية رحب السيد جمال الدين الأحمدي رئيس مركز التنمية لجهة تانسيفت بالحضور الفاضل وبالفعاليات الأكاديمية والجامعية والحقوقية مذكرا بان الندوة تأتي عرفانا وامتنانا لاحد ابناء مدينة مراكش البررة والذي خدم وطنه من موقع حقوقي، مشيرا إلى أن أشغال ندوتنا تتكون من ثلاثة جلسات:
جلسة افتتاحية: سيرها منسق الندوة الوطنية السيد عبد العزيز السيدي الكاتب العام لمركز التنمية لجهة تانسيفت تضمنت:
بعد الكلمة الترحيبية لرئيس مركز التنمية لجهة تانسيفت د. جمال الدين الأحمدي الذي رحب فيها بالحضور الفاضل وبالفعاليات الأكاديمية والجامعية والتربوية والحقوقية والجمعوية والإعلامية والمدنية مذكرا بان الندوة تأتي عرفانا وامتنانا لأحد ابناء مدينة مراكش البررة والذي خدم وطنه من موقع حقوقي .
كلمة السيدة فاطمة بركان، الكاتبة العامة للمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان نيابة عن السيد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي تعذر عليه الحضور. وقد توقفت في كلمتها عند البصمات الخيرة التي تركها الفقيد احمد شوقي بنيوب في المندوبية حقوقيا وانسانيا.
وأشارت إلى أهمية حصيلة الإنجازات المحقة وافاق المشاريع المنتظرة في المندوبية. وفي هذا السياق أكدت على ضرورة الاستمرار في الاهتمام بمرتكزات ثقافة حقوق الإنسان، التي أجملتها في مرتكزين اثنين: أولا: حماية حقوق الإنسان؛ ثانيا: النهوض بحقوق الإنسان. حيث قالت في مداخلتها بالمناسبة إن المغرب تمكن من وضع منظومة وطنية متكاملة في مجال حماية حقوق الإنسان، وكان له السبق في جعل ثقافة النهوض بثقافة حقوق الإنسان باعتبارها أحد مقومات التخطيط الاستراتيجي في هذا المجال، من خلال اعتماد الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان سنة 2007والتي جاءت تنفيذا لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وتجسيدا للنتائج الإيجابية للبرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان. وهذا المسار تعزز باعتماد خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان وإقرار حقوق الإنسان كمادة للتكوين والتدريب في مسارات التحصيل البيداغوجي والمعرفي للمكلفين بإنفاذ القانون وإطلاق العديد من برامج ومشاريع تعزيز القدرات والتكوين لمختلف هذه الفئات، دون إغفال أعمال المجتمع المدني في مجال التحسيس والتوعية ونشر ثقافة حقوق الإنسان.
وأشارت فاطمة بركان، أن المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان كانت حاضرة في عدة مبادرات وبرامج ترتبط ببرامج النهوض بحقوق الإنسان ومنها تأطير برنامج التكوين الموجه للقضاة والمكلفين بإنفاذ القانون، وتنظيم عدة دورات تكوينية لموظفي القطاعات العمومية ومنظمات المجتمع المدني وتنظيم عدة مؤتمرات وندوات وورشات عمل تروم النهوض بثقافة حقوق الإنسان. وذكرت أيضا أن المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان أطلقت بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان برنامجا طموحا للتكوين وتعزيز القدرات في مجال حقوق الإنسان يحمل اسم ''نقلة''، ويستهدف عدة فئات وفاعلين ضمنهم المحامون والصحافيون والشباب والنساء وكتاب الضبط. كما أطلقت منصة مؤسساتية للخبرة الوطنية المتخصصة في مجال حقوق الإنسان من أجل تثمين الخبرة المغربية وتيسير الاستفادة منها، بالإضافة إلى منح جائزة التميز في الأبحاث العلمية المتعلقة بحقوق الإنسان.
وبعد ذلك أعطى منسق الندوة ذ. عبد العزيز السيدي الكلمة للسيدة فوزية بنيوب باسم أسرة الفقيد التي كشفت، أن القدر اختارهم للنضال والاعتقال والفقد، انطلاقا من الأب مرورا بالأبناء. وتناولت بعد ذلك بعض مناقب الراحل الذي كان أحد منشطي العدلة الانتقالية، حيث تخصص فيها، مما يجعله – حسب أخته يعد أحد كبار المتخصصين في الموضوع ليس في المغرب فقط بل في المنطقة العربية ككل وأيضا في منطقة البلقان، حيث اشتغل على موضوع العدالة الانتقالية في تونس والسودان والعراق وسوريا.
وبهذه المناسبة اشارت الأخت فوزية بنيوب إلى كونها بصدد تحضير مؤلف وأيضا إطار جمعوي في مراكش يحمل اسمه من أجل ترك إرث للأجيال القادمة، خصوصا وأننا نعيش في عالم هش وخطير جدا، مشيرة بأننا نعيش في بلد آمن، لكن الأمن قل في هذا العالم حيث يحيط بنا الخوف والحرب والمجاعة والإبادة والاحتلال، وحتى قيم حقوق الإنسان – تضيف – عليها علامات استفهام كثيرة منذ أكثر من سنة نظرا للظرف الجيوسياسي والإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة العربية.
لتختم كلمتها بالتأكيد على ان الفقيد لم يفارقنا إلا جسديا لأنه لازال يمكث في الأذهان والوجدان.
وفي كلمة منسق أشغال فعاليات هذه الندوة السيد عبد العزيز السيدي، أشار إلى ثلاثة اعتذارات اضطرارية تتعلق بكل من : المناضلة السيدة لطيفة الجبابدي والسيدة فاطمة الزهراء ماء العينين عضوة ديوان وزير العدل والأستاذ د. عبد اللطيف عادل عضو المكتب التنفيذي لمركز التنمية ، وبعد ذلك تناول كلمته باسم مركز التنمية ككاتب عام ومنسق اشغال الندوة وهذا بعض ما جاء فيها : يسعدنا اليوم أن نرحب بكل الفعاليات الحاضرة، ونشكرها على تلبيتها الدعوة لهذه اللحظة الإنسانية والحقوقية التي أردنا من خلالها الاحتفاء بالراحل أحمد شوقي بنيوب وإسهامه المتفاني والصادق في خدمة حقوق الإنسان بالمغرب من مواقعه والمسؤوليات التي ناضل منها وعمل فيها وأدواره الفاضلة في تجربة العدالة الانتقالية ببلادنا. هذه الندوة الوطنية ستكون فرصة وفاء وعرفان واستحضار لروح الفقيد ولشخصيته المتعددة، فالفقيد يعد واحدا من أبرز الحقوقيين الوطنيين، الذين طبعوا المرحلة الحديثة من التاريخ الحقوقي لبلادنا، ومناضلا شهما، ومسؤولا وطنيا مقتدرا ومناضلا حقوقيا أصيلا من خلال تربيته الأسرية الوطنية.
واستشرافا للمستقبل، متمنياتنا استكمال وتتبع توصيات لجنة الانصاف والمصالحة، والعمل على عقد ورشات وطنية تعتمد رؤية واضحة بمقاربة تشاركية وتعاقد واضح وفعال بين الحكومة والمجتمع المدني والمؤسسات ذات الصلة بحقوق الإنسان والتربية على المواطنة وتجسد التزاما رسميا للحكومة، ينبع من إرادة سياسية تتوخى البحث المستمر عن آليات مستدامة لترسيخ أسس دولة الحق والقانون، وتعزيز مسلسل الإصلاح والدمقرطة. وتأخد بمعين الاعتبار ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان والتربية على المواطنة بالمؤسسات التعليمية والجامعية ..... والترافع من أجل أجرءتها.
وأبرز السيدي عزيز، أن الفقيد شوقي بنيوب يعد واحدا من أبرز الحقوقيين الوطنيين الذين طبعوا مرحلة حقوقية من بلادنا ومناضلا شهما ومسؤولا وطنيا، حيث تميز الفقيد بخبرته وكفاءته المهنية والقانونية الرفيعة، وساهم بشكل فعال في خدمة العدالة الانتقالية. وأضاف السيدي، بأن هذه اللحظة هي اعتراف برجل يستحق الاعتراف متمنيا استكمال وتتبع توصيات لجنة الإنصاف والمصالحة والعمل على عقد ورشات وطنية تعتمد رؤية واضحة بمقاربة تشاركية وتعاقد واضح وفعال بين الحكومة والمجتمع المدني والمؤسسات ذات الصلة بحقوق الإنسان والتربية على المواطنة وتجسد التزاما رسميا للحكومة ينبع من إرادة سياسية تتوخى البحث المستمر عن آليات مستدامة لترسيخ أسس دولة الحق والقانون.
وفي الأخير أشار الأخ السيدي الى العلاقة المتينة التي تربط بين أسرته وأسرة الفقيد سياسيا وتربويا وإنسانيا مند سنوات خلت، مذكرا بأن الندوة تأتي على مسافة قريبة من الذكرى العشرين لتأسيس هيئة الانصاف ...
جلسة أولى وهي عبارة عن ندوة حول ثقافة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية أطرها أساتذة وأكاديميون متخصصون.
بعد الانتقال الى الجلسة الأولى التي سيرها الاستاذ حميد منسوم عضو المجلس الإداري لمركز التنمية، افتتحها الأستاذ د.عبد الله ساعف أستاذ العلوم السياسية والخبير السياسي والأكاديمي ، بطرح سؤال إشكالي أطر مداخلته هل يمكن اتخاد الاصلاح القانوني كمدخل ينوب عن الاصلاح السياسي؟
لكن قبل التفصيل في هذا الإشكال بدأ مداخلته بالحديث عن الفقيد احمد شوقي بنيوب من خلال خصاله وقيمه واعتبره الوجه الرئيسي للعدالة الانتقالية وأشار إلى دوره في هيئة الإنصاف والمصالحة في هذا المجال، لكن الدكتور عبد الله ساعف اعتبر أن وراء ذلك سؤال الإصلاح من خلال القانون، من هنا تساءل في مداخلته، هل يمكن لإصلاح الأنظمة القانونية والأجهزة القضائية أن يأخذ مكانة الإصلاح السياسي؟ وهل يمكن أن تحمل فكرة المواطنة القانونية عبئ المواطنة السياسية؟
قبل أن يجيب بأن إصلاح الأنظمة القانونية والأجهزة القضائية من شأنه أن يفتح أفاقا أفضل للعلاقات السياسية بين الحاكم والمحكوم وللتعددية وأن يخفض من مستوى التنازع في هذه العلاقات. كما تطرق الأستاذ د. عبد الله ساعف الى تقرير البنك الدولي حول الإصلاحات القانونية والقضائية التي عرفها المغرب، مضيفا بأن هذه الإصلاحات يمكن تصنيفها الى إصلاحات في اتجاه اللبرلة وأحيانا تتجاوز اللبرلة، للحديث عن الديمقراطية، اصلاح الجهاز القضائي المختص والذي يشتغل على العلاقات بين الدولة والخواص: القانون الاداري، القانون التجاري، القوانين الاقتصادية التي تمس الاقتصاد، وقوانين اخرى والتي تسعى الى ضبط وتنظيم العلاقات الاجتماعية والخفض من التوترات الاجتماعية.
والنصف الثاني من الإصلاحات يرتكز على محاربة الرشوة والتجاوزات في السلطة مع الأشكال الجديدة للعقاب الجنائي وخلق سلط مختصة خلال العشرين سنة الأخيرة مشيرا بأن هناك تراكما من الناحية القانونية والذي يؤكد أهمية القوانين التي ادخلت في إطار الإصلاح القانوني دون أن ننسى الإطار الدستوري والذي فيه كل ما يتعلق بتأسيس تقعيد وتأصيل الحقوق العامة الجماعية لإعطاء أرضية مؤسساتية لهذه الأهداف في إطار الانفتاح والدمقرطة.
هناك الإصلاحات المرتبطة بالوسائل التي تمنح للخواص ولمجموعة من الجمعيات وبالخصوص جمعيات حقوق الإنسان والتي فيها مد وجزر واشكاليات تطبيقية مختلفة..
وهناك أيضا اصلاح الأجهزة القضائية في مجال الاقتصاد مند التسعينيات. وأشار د. عبد الله ساعف الى أن هذا الاصلاح القانوني الي يلج للفعل السياسي أتى بأشياء كثيرة، مذكرا بالرسالة الملكية لعام 1993 للمرحوم الحسن الثاني عندما تحدث عن خلق دولة الحق والقانون في مجال الأعمال الاقتصادية وإصلاح مدونة الجمارك في سنوات 96و98، والتي كان هدفها الرئيسي هو مجال الأعمال.
وأوضح د. عبد الله ساعف، أن الأنظمة السلطوية في دول الجنوب كلها تدعي بأنها أنظمة دستورية وبأنها تعتمد على مؤسسات "تمثيلية" سواء قبل وبعد ما يسمى ب "الربيع العربي" حيث تنظم هذه الأنظمة سلطاتها بشكل دستوري بدرجات معينة من الانفتاح.
مشيرا إلى العديد من الإصلاحات التي قد تكون ضرورية ومفيدة كإصلاحات القانون الخاص بمحاربة الرشوة وتجاوزات السلطة ومدونة الجمارك مبرزا أنها قد تخفف من حدة التوترات الاجتماعية لكنها غير كافية في تجديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أسس إصلاحية، وأعاد في النهاية الأستاذ د. عبد الله ساعف سؤاله الإشكالي بصيغة أخرى. هل يمكن للقانوني ان يأخذ مكان الفعل السياسي العادي؟
مداخلة الأستاذ ادريس اليزمي رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، ميز فيها بين مرحلتين في علاقته بالفقيد احمد شوقي بنيوب :
1. مرحلة بناء المنظمة المغربية لحقوق الإنسان كتجربة ريادية تعددية ومهنية .
2. مرحلة الإنصاف والمصالحة وحدة نقاشات التحضير لجلسات الاستماع العمومي ولمسألة جبر الضرر.
ادريس اليزمي، الرئيس السابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، تطرق في مداخلته إلى مرحلة بناء المنظمة المغربية لحقوق الإنسان التي ساهم فيها الفقيد شوقي بنيوب، حيث كان من الجيل الثاني من المؤسسين، انطلاقا من تقييم تجربتهم السياسية المتعلقة بالاعتقال والخروج من الاعتقال والعمل مع عدة شخصيات.
هذا الجيل ساهم في تشييد تجربة ريادية بنت المهنية في ميدان حقوق الإنسان، حيث بنت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تجربة العمل مع المنظمات العالمية لحقوق الإنسان وهي تجربة أساسية في مجال حقوق الإنسان وتجربة أساسية في مسار العدالة الانتقالية.
كما تطرق إلى الجلسات الأولى للاستماع، حيث كان شوقي بنيوب إلى جانبه المسؤولان عن التواصل مع مسؤولي الإعلام العمومي، بشأن البث المباشر لهذه الجلسات، حيث تم الاتفاق مع الضحايا على التطرق للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان دون ذكر أسماء أفراد، اعتبارا لكون الأمر يتعلق بسياسة عمومية، وحدث أن تم تجاوز الوقت المحدد للجلسة الأولى. وبعد أخذ ورد جاء القرار من أجل استمرار الجلسة إلى غاية العاشرة والنصف بعد أن كان من المقرر أن تنتهي على الساعة الثامنة والنصف مساء موعد بث النشرة المسائية..
وقال اليزمي بالمناسبة إن هيئة الإنصاف والمصالحة كانت تعددية، حيث حملت مسارات سوسيوثقافية وتجارب سياسية مختلفة، مشيرا بأننا لا زلنا في مرحلة الذاكرة، إذا استحضرنا الخطاب السياسي الرائج. ودعا الجامعة المغربية بمناسبة الذكرى 20 لتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة إلى مقاربة الموضوع من خلال بحوث وأطروحات تستحضر هذه المرحلة المهمة من مسار العدالة الانتقالية في المغرب.
وهكذا ختم الأستاذ اليزمي مداخلته بضرورة المرور من الذاكرة الى التاريخ وذلك بتواري المناضلين دون انسحابهم وفسح المجال لاشتغال الباحثين الجامعيين والمتخصصين الأكاديميين.
وبخصوص مداخلة الأستاذة جميلة السيوري رئيسة جمعية عدالة فقد ركزت على المؤسسة القضائية كحلقة مركزية في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان متوقفة عند أهمية تيسير الولوج إلى العدالة والانتباه الى مسألة اللغة في بعض المناطق الأمازيغية التي يتم فيها الترافع ونطق الأحكام باللغة العربية.
من زاويتها ركزت المحامية والحقوقية جميلة السيوري على أهمية القضاء من خلال أحكامه وقراراته في تفعيل بنود الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في سياق دسترة استقلال السلطة القضائية واستقلال جهاز النيابة العامة، كما أشارت ذة.السيوري إلى أن هناك ترسانة تشريعية مجزأة ولا علاقة لها بالملاءمة لا مع المبادئ الدستورية ولا مع المواثيق الدولية. وذكرت ذة.السيوري أن هناك ارتدادا واضح في ترسيخ مبدأ استقلال السلطة القضائية منذ 2011 ومنذ مخرجات الإصلاح الوطني للقضاء، مشددة على أهمية ربط استقلال السلطة القضائية كأحد الضمانات الدستورية بوجود ضمانات سياسية والتي ينبغي أن يوفرها السياق السياسي المحيط بمؤسسة القضاء.
كما أشارت إلى إشكالية ضعف الضمانات الثقافية والتي تحتاج إلى قدر كبير من الجهد الجمعي لتصبح فاعلة في اتجاه تكريس مبدأ استقلال القضاء.
وقالت السيوري إن عدم وضوح النص الدستوري الذي يؤكد في الديباجة على سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية شريطة عدم مخالفة ''الهوية الوطنية الراسخة'' يخلق عدة إشكالات على مستوى التطبيق، مما يشير بأن المغرب لم يلج إلى إطار الكونية، حيث لا زال يتعامل بخصوصياته في هذا المجال وخصوصا في القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية والحريات الفردية والمساواة وما زال إعمال مقتضيات القوانين وحتى الإصلاحات محددها الأساسي هو الرجوع إلى الفقه والشرع بدل الاتفاقيات الدولية.
وأشارت في مداخلتها أن القضاء الإداري تفوق كثيرا في الاجتهاد القضائي وفي إعمال الاتفاقيات الدولية مقارنة مع باقي المحاكم، كما تطرقت إلى إشكالية مراقبة الأحكام الصادرة عن محكمة النقض وضمانات الرقابة على هذه المحكمة، علما أن هذه الإشكالية طرحت من خلال نقاشات الإصلاحات الدستورية والسياسية وإصلاح القضاء، حيث تمت الدعوة إلى إقرار قانون الدفع بعدم دستورية القوانين والذي يعد معطلا إلى حدود اليوم، مؤكدة بأن تفعيل هذا القانون سيساعد في أعمال الرقابة على أحكام محكمة النقض.
''حين نتحدث عن ثقافة حقوق الإنسان وكأن هذا إرث تاريخي اكتسبناه والواقع أنها ثقافة حديثة لدى الجميع، صحيح أن الجانب القانوني مهم وغير كافي في نفس الوقت ما دمنا أمام فاعلين وخاصة المكلفين بإنفاذ القانون لا يتملكون ثقافة حقوق الإنسان من أي موقع كانوا كيف نطلب من قاضي أن يصدر أحكاما بالارتكاز على الاجتهادات القضائية الدولية وعلى تطورات القانون الدولي في مجالات متعددة وهو لا يدري من أين يحصل على هذه المعلومة كما أن الثقافة التي يتلقاها حتى داخل المؤسسات..''
اما الأستاذ الحبيب بلكوش رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية فقد الح في مداخله على الانتقال بثقافة حقوق الإنسان من النضال السياسي الى النضال المعرفي وهي مسألة تحتاج إلى نفس طويل ذلك أن مؤسسات التكوين في الأمن والقضاء والإدارة العامة للسجون لازالت في حاجة إلى جرعات إضافية من ثقافة حقوق الإنسان. كما ان المجتمع نفسه (ثقافات) اخرى في مواقع التواصل الاجتماعي وحتى المتاح له دستوريا في لا يتم استثماره. اذ ليس هناك الا عريضة يتيمة تتعلق بالمناصفة جاءت بعد جهد جهيد. رغم ان دستور 2011 يعطي الحق في تقديم العرائض. ونبه في أخر مداخلته الى ضرورة التفكير جماعيا في تراجع الزخم الحقوقي بالمغرب.
هكذا استهل الحبيب بلكوش، رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية مداخلته. وأضاف بلكوش أن ثقافة حقوق الإنسان حديثة العهد، سواء داخل معهد تكوين القضاة أو في مركز تكوين أطر الداخلية، أو داخل معهد الشرطة، وقد جاءت بفضل مجهودات كبيرة..
وأشار بأن ''هذا الزخم من التراكم المعرفي، نحن في حاجة إلى فتح قنوات للتواصل معه والاستفادة منه لتملكه حتى نطور الأداء المهني للمكلفين بإنفاذ القانون من جهة ومن جهة أخرى لا بد من تعزيز هذا التوجه لدى باقي الفئات من صحفيين ومن رجال ونساء التربية والتعليم، وحتى داخل الوسط الجامعي، مشددا على أهمية انفتاح الجامعة على خبرات مغربية في مجال حقوق الإنسان، وهو ما سيسمح لنا بوضع معايير تمكننا من قياس التقدم أو التراجع..
وأكد بلكوش أن حركة حقوق الإنسان ليست بالحركة الثورية ولا حركة التغيير الجذري داخل المجتمع، بل هي حركة إصلاحية تقوم على المعرفة وعلى التثقيف وعل تعبئة كل ما يمكن من الطاقات من أجل تحصين المكتسب وفتح أفق للأمل.
كما أشار إلى كون رئيس المحكمة الدستورية طرح في إحدى محاضراته إشكالية عدم إصدار قانون الدفع بعدم دستورية القوانين، وإلى أن هناك عددا من القضايا التي يمكن طرحها على المحكمة الدستورية كي تعطي تفسيرا لها، بدل أن تبقى النقاشات عمومية على المستوى الإعلامي، من أجل تفعيل دور هذه المؤسسة الدستورية في هذا الباب.
ولم يفته أيضا التطرق إلى تراجع عدد من المنظمات في السنوات الأخيرة مما حال إلى دون إمكانيات رصد تجاوزات وانتهاكات حقوق الإنسان، مضيفا بأنه ''لا يمكن أن ننتظر أشخاص داخل الدولة بعقليات تقليدية أن يساعدوا هذه المنظمات على النهوض. وإذا لم يكن هناك زخم بشكل جديد، فلا يمكن تطوير هذا المجال..'' مقدما دستور 2011 والذي سمح بتقديم العرائض للبرلمان. ومنذ اعتماده في عام 2011 وإلى حدود الآن لم يتم تقديم سوى عريضة واحدة، وهي عريضة ''دينامية المناصفة دابا''، والتي انخرطت فيها عدد من الفعاليات السياسية وغيرها، وهو الأمر الذي يؤكد – بحسب بلكوش – بأن الضعف داخل المنظمات حاصل ومتطلبات تقويته تستوجب ثورة ثقافية في صفوفها على مستويات مختلفة.
الاستاذ مصطفى لعريصة رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان ركز في مداخلته على علاقة الخصوصية بالكونية في المجال الحقوقي دون انغلاق هوياتي ودون تبعية المركزية الأوروبية. لان الكونية مشروع مفتوح يغتني بثقافة تعددية لا بثقافة بأحادية.
جلسة ثانية تتخللها شهادات لفعاليات ورفاق عايشوا الفقيد احمد شوقي بنيوب.
بانتقالنا إلى جلسة الشهادات التي سيرها باقتدار المبدع والإعلامي ياسين عدنان استهلها الأستاذ محمد برادة حميمة بالإشارة الى ان كتاب الشفا للقاضي عياض الذي تسلمه من الفقيد كان إشارة منه قبل وفاته بشهور الى الالتفات إلى هذا العالم الفذ الذي كان يستحضر ابعادا حقوقية في أحكامه مشيرا في شهادته ايضا الى ضرورة الالتفات إلى الأبعاد التأصيلية لثقافة حقوق الإنسان انطلاقا من التراكمات التي تمدنا بها انتاجات بعض فقهاء وفلاسفة الاندلس والغرب الإسلامي.
اما شهادة الأستاذة فاطمة الزهراء ماء العينين والتي قرأتها بالنيابة عنها الأستاذة فوزية بنيوب استحضرت فيها شخصية الفقيد بكل خصاله الإنسانية والحقوقية مشيرة في النهاية إلى أنه سيبقى ايقونة خالدة في الذاكرة الحقوقية للمغاربة.
الأستاذ صلاح الوديع رئيس حركة ضمير بوداعته المألوفة وبتجربته النضالية وخبرته الحقوقية وبلغته الشعرية ألقى شهادة مؤثرة استرجع فيها تفاصيل مسار غني بشده وجذبه رفقة الفقيد لتأسيس مرحلة العدالة الانتقالية.
اما الاستاذ نور الدين أفاية باحث وأستاذ التعليم العالي فقد فضل في شهادته ان يقارب كتاب (هكذا كان) الذي ألفه الفقيد باشتراك مع رفيق دربه الاستاذ مبارك بودرقة بلغة باذخة ومنهجية متماسكة قدم لنا الاستاذ نور الدين مضامين الكتاب متوقفا عند خصائصه السردية والبلاغية انطلاقا من ثنائية الذاكرة والتاريخ.
الأستاذ د. أحمد الشهبوني الرئيس المؤسس لمركز التنمية أشار في بداية شهادته ان موضوع الندوة والشهادات لما طرح على المكتب التنفيذي حصل فيه اجماع الاعضاء وتم تكليف الأخ عبد العزيز السيدي الكاتب العام لمركز التنمية للإشراف على هذه الندوة بتنسيق مع أسرة الفقيد ، ثم توقف الأستاذ احمد الشهبوني عند اشتغاله مع الفقيد كتلاميذ في خلية تنظيمية تقرأ باهتمام شديد حصيلة دروسها وتناضل من أجل خدمة قضايا الوطن ومتطلبات التغيير.واستمرت نفس العلاقة بينهما إنسانيا رغم ان الفقيد بنيوب اختار المسار الحقوقي في حين واصل الأستاذ د.الشهبوني مشواره الجامعي تخصص الفيزياء خارج المغرب.
وآخر شهادة كانت لرفيق دربه الأستاذ د.عبد الواحد طليمات الذي ذكر بمشاركتهما معا في مظاهرة انطلقت من ثانوية أبي العباس السبتي وتوقفت عند مقهى النهضة بمراكش دفاعا عن القضية الوطنية في ارتباطها بالقضية الديمقراطية كما توقف الاستاذ وحيد طليمات عند تجربتهما في الاعتقال السياسي وشغف القراءة والحلم بتغيير العالم والإضراب عن الطعام وتبعاته الصحية على الفقيد والتي تزامنت مع حصوله على البكالوريا بعد توقفه عن الدراسة في سن 15سنة انسجاما مع الحدة القصوى التي طبعت تصريفه لقناعاته.
واختتمت أشغال فعاليات هذه الندوة الوطنية بتسليم الدرع التذكاري لأسرة الفقيد الذي يحمل صورة الفقيد ومناسبة استحضار روحه. مع التأكيد على ضرورة اصدار كتاب تذكاري يتضمن كلمات وشهادات ومداخلات هذه الندوة المتميزة.
وأخيرا فالندوة تشرفت بحضور فعاليات حقوقية وطنية وجهوية ناقشت مسار ثقافة حقوق الإنسان ببلادنا في ارتباطها بالعدالة الانتقالية، وذلك بالإشارة الى بعض مميزات عدالتنا الانتقالية ومسارنا الحقوقي من خلال "رؤى وشهادات واستشرافات...." متنوعة ومختلفة .. كما تشرفنا بحضور فاعلين وطنيين وجهويين ومسؤولين تربويين يتقدمهم السيد مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة مراكش اسفي وفعاليات حقوقية ومهنية، كهيئة المحامين والعديد من الفضلاء الباحثين والأساتذة الجامعيين ومختبرات وفرق البحوث العلمية والأكاديمية من مختلف الكليات التابعة لجامعة القاضي عياض تتقدمهم كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ....
وحضور الدكتورة فريدة بناتي بالإضافة إلى الشاعرة والمناضلة مليكة العاصمي وغيرهم من القامات في مجال الفكر والسياسة والبحث العلمي والأكاديمي الجامعي ومن مختلف مرافق الشأن الحقوقي والعدالة ومختلف المنابر الإعلامية والفاعلين المدنيين والجمعويين ونساء ورجال التعليم والمختصين الإداريين والطلبة الباحثين بسلك الماستر والدكتوراه بجامعة القاضي عياض وجامعات أخرى....