شريط الاخبار

قائمة

الفواجع بلا موانع






نوالدين مفتاح
إنه شهر الاتشاح بالسواد، وشهر استخلاص العبر لمن يعتبر.
غرق البرلماني أحمد الزايدي تحت قنطرة واد الشراط ببوزنيقة، وبعدها أغرقت الأمطار مدنا كاملة بالجنوب وخلفت ضحايا في الأرواح والممتلكات، خصوصا بمدينتي گلميم وسيدي إيفني، وبعدها تكرر شريط الرعب فوق نفس القنطرة ببوزنيقة، حيث دهس قطار وزير الدولة عبد الله باها ما بين المغرب والعشاء، وبعدها أسقطت أمطار لم تتجاوز الخمسين ملمترًا بالدار البيضاء دوراً وأودت بحياة مواطنين ضمنهم أطفال ونفس الشيء جرى بآسفي.
وفي أجواء هذه الجنائز الكبرى، كانت هناك جنازة أخرى تتعلق بحلم مغربي بأن يكون للبلاد موقع في خريطة الدول الصاعدة التي تستطيع أن تضع في الواجهة حقيقة ما تتوفر عليه من كفاءات وما تقوم به من مجهودات، فإذا بالمعلم الذي سيتكلف بهذه العملية يسقط سقطة مدوية ويسقط معه الحلم ويؤرخ بالصوت والصورة وأمام ملايين المشاهدين عبر العالم لشوهة لم يعرفها المغرب من قبل، وهي تحول المركب الرياضي مولاي عبد الله خلال مباراة تصفيات كأس العالم للأندية إلى مسبح بلدي وتحول اللاعبين بالقدم إلى لاعبي كرة ماء، ولتكتمل روعة هذا العرض الفكاهي، تم إدخال عمال في محاولة لشفط الماء بمكنسات (كراطات) من الحجم الكبير أو بالإسفنج والسطول!
لا يمكن أن نعوض سياسيين لامعين ذوي أخلاق عالية من طينة الزايدي وباها، ولكن هل القدر وحده كان وراء هذا الفقدان الكبير؟ بطبيعة الحال لا. فالبشر يعاكس القدر أحيانا، ولو تم شفط المياه الطارئة تحت قنطرة واد الشراط التي بلغ عمقها مترين ونصف المتر لما جرى ما جرى للسي أحمد، ولو كانت هناك سياجات أو حراسة على خطوط السكة الحديدية فوق نفس القنطرة لما جرى ما جرى للسي عبد الله، وهذه مسؤوليات ثابتة في حق المهملين والمقصرين الذين لو كانوا في بلدان لا تكتفي بربط المسؤولية بالمحاسبة في المكتوبات المعلقة في الدستور كاللوحات الزيتية، لرأينا المسؤول يحسب ألف حساب للمسؤولية قبل أن تقع الواقعة، وإذا وقعت فإنه يحاسب لأن له دينا على المجتمع، ولأنه يجب أن يكون عبرة لمن يجب أن يعتبر.
ولنا أن نسأل عمن حوسب في ما جرى، وعن عدد النقاط السوداء على طول هذه الخطوط السككية التي لم تزد منذ أن تركها المستعمر وماتزال محدودة في مدينة مراكش، وعن عدد البرك الخطيرة. لاشيء، فلم يفتح تحقيق ولا تم إعطاء الإعتبار للرأي العام بتوضيح ماذا جرى ولماذا؟ لا شيء إلا الاهتمام بالجنائز، وكأن الحضور الشعبي التلقائي فيها بمثابة تعويض عن هذا الاستخفاف بأرواح الصفوة فما بالك بعموم المواطنين المغلوبين على أمرهم، والذين يتحولون في البلاغات الرسمية من أسماء مغمورة إلى أرقام: توفي 42 مواطنا.. والسلام!
في الفيضانات تم تبادل الاتهامات بين الوالي ورئيس المجلس البلدي ورئيس المجلس الإقليمي وهلم رؤساء وعمداء ونياشين، والموت لا يخجل كل هؤلاء، وحتى لو أنه تم تسجيل استقالة مسؤول واحد بسيدي إيفني، فإن أرواح الضحايا تشتتت بين القبائل، وذلك بتزكية من وزارة الداخلية التي حملت المسؤولية في جزء منها للضحايا.
والغريب أن مئات القناطر وأودية الموت ماتزال إلى اليوم متأهبة مع أي تغيير مناخي لحصد المزيد من الضحايا ولكتابة المزيد من مثل هذا الكلام، ولسماع نفس التبريرات ولزيادة إطار مذهب للوحة الزيتية التجريدية التي تتحدث عن ربط المسؤولية بالمحاسبة.
نفس الشيء جرى ويجري في ما يخص الدور الآيلة للسقوط، هي معروفة والقنابل الموقوتة محصيّة والحلول جاهزة، ولكن التلكؤ في التنفيذ يحصد في كل موسم ضحايا بمثابة "قرابين" للتماطل. إن صرامة السلطة لا تظهر إلا في ما يسمى بالحفاظ على النظام العام، أما في ما يتعلق بالسلامة العامة، فإن المسؤول يقول إننا نبهنا الناس لكنهم رفضوا مغادرة منازلهم!؟ عذر أقبح من الزلّة، ولا محاسبة.
الأرواح هي الأهم، فرحم الله الضحايا، وصورة البلد مهمة، وقد أغرقتها تصرفات وزارة أوزِّين في الوحل، والنتيجة هي توقيف الوزير لكاتبه العام ولبعض مدرائه مع العلم أن هؤلاء موظفون، ونحن لا نحمل المسؤولية عن شوهة عالمية لمرؤوسين مأمورين، ولكن يجب تحميلها لرئيسهم السيد الوزير، والوزارة أصلا كلمة مشتقة من الوِزْر، وهي في المعجم تعني الحمل الثقيل المرهق والشاق، ولا يضع الوزير حمله إلا كما تضع الحرب أوزارها، وعندما يتعثر الوزير فإن الحمل الثقيل يسقط ويقع الإخلال بالأمانة، وعمر ابن الخطاب تحدث عن مسؤوليته كأمير للمؤمنين عن شاة تعثرت فما بالك بهذه الشوهة العالمية التي كلفتنا 20 مليار سنتيم للإصلاح وملايير الدولارات من الخسارة في صورة البلد. فلو كان الوزير أوزّين سويا لاستقال، لأن الاستقالة هي المخرج الوحيد المفيد للوطن، فلا أحد في العالم سيتحدث عن إقالة موظف، ولكن كل الكاميرات والنشرات التي نكتت على أكبر "كرّاطة" في العالم ستتحدث عن استقالة وزير الشبيبة والرياضة وعن بلد يربط فعلا بين المسؤولية والمحاسبة، ولكن الذي يجري هو أن أوزين لم يفقد ماء وجهه، بل مايزال يتحدث بوقاحة عن "شركة خانت الوطن"! والوطن لا يخونه للأسف إلا بعض ممن يوجدون في هرم المسؤولية لحمايته.
هذا غيض من فيض، ورائحة الموت تملأ الأرجاء من الملاعب إلى الدور الآيلة للسقوط ومن المواطنين البسطاء إلى صفوة النخبة، وليس هناك إلا الضحايا بدون جناة، ليس هناك إلا الجنائز والحزن، والعجيب الغريب أن البعض حاول منع مجرد طرح الأسئلة وانبرى لإعطاء الدروس حول ما يجب قوله وما لا يجب حول وفاة غامضة أو موت ظالم. هي بلاد تتعلم أن تكون منصفة، فكم نحتاج من الضحايا حتى تستقيم الأمور؟ وكم نحتاج من الفواجع حتى تصبح المسؤولية وزْرًا لا ترفاً وكراسي وثيرة وعجرفة مبنية على الخواء

شارك :

التسميات:

لا تعليقات في " الفواجع بلا موانع "

  • لمشاهدة الإبتسامات اضغط على مشاهدة الإبتسامات
  • لإضافة كود معين ضع الكود بين الوسمين [pre]code here[/pre]
  • لإضافة صورة ضع الرابط بين الوسمين [img]IMAGE-URL-HERE[/img]
  • لإضافة فيديو يوتيوب فقط قم بلصق رابط الفيديو مثل http://www.youtube.com/watch?v=0x_gnfpL3RM