شريط الاخبار

قائمة

اي خطاب سياسي نريد



شكل دائما الخطاب السياسي ، مؤشرا قويا على مدى تحكم الفاعل السياسي وتمكنه من قراءة سليمة وبرغماتية للوحة قيادة الواقع اليومي، ومدى قدرته على تصريف هموم ومشاكل وانتظارات الجماهير ،على شكل خطاب سياسي متسم بالرزانة والرصانة ،دون التفاف او اسفاف ، يحترم ذكاء المواطن ولايماثل ويطابق بين ذاكرته وذاكرة السمكة.

خطاب سياسي جدي وجاد ومتجدد، يتسم بقسط وافر من الفاعلية والفعلية  والفعالية . يشكل قطيعة مع النسق الشعبوي الذي يدغدغ مشاعر الناس ،دون ان يقدم أجوبة حقيقية للاشكالات المزمنة والمشكلات المستعصية ، خطاب سياسي يبني ولايهدم، يسهل ولايستسهل ، يناور ولايقامر، يعلي ولايستعلي، يهتدي ولايستعدي .خطاب سياسي مفعم بالحيوية والأمل الجاذب وليس الحمل الكاذب ، ويلعب الرأسمال اللغويle capital linguistique دورا مهما في تفعيل الخطاب السياسي ، بما يحمله من مفردات ذات بعد سياسي كثيف ومكثف ، يكون حاسما في اتجاه التأثير على الناس ،اما ايجابا او سلبا ،فعبد الناصر كان يفتح خطاباته “بأيها الاخوة المواطنون” للتركيز على فكرة المواطنة ، كما أن السادات كان يفتح خطاباته “ببناتي ،أبنائي”للتركيز على أبوته لكل المصريين.

وهكذا فان الخطاب السياسي بقدر ماهو ملزم بأن يختار الفاعل السياسي في خضمه ،كلماته بعناية فائقة ،مع مراعاته الشرط الاجتماعي والمحيط الاقتصادي ،و البعد الثقافي ، على اعتبار الرأسمال الرمزي للغة le capital symbolique ، لما لها من سلطة وقوة في التاثير على النفوس ، سواء كان الكلام منطوقا أو مكتوبا .

كما أن اللغة بما لها من حمولة ، قد يكون لها دورا مهما في التضليل ، وخصوصا اذا لم يرتق  الخطاب السياسي ، وتوقف عند حدود  السجال السياسي العقيم ، دون مقارعة الحجة بالحجة ، والتسلح بالعلم والمعرفة، هذا السجال الذي تنطبق عليه مقولة ” أسمع جعجعة ولاأرى طحينا”على اعتباره خطابا سياسيا غير منتج ، ولايقوم على الاقناع ،أو مايمكن أن أسميه “خطاب الرحى” خصوصا وخاصة في غياب زرع الثقافة السياسية.

فمصطلحات من قبيل (التناوب) و (الانتقال الديمقراطي) و( الخيار الديمقراطي) ، وغيرها من المصطلحات السياسية ،جاءت في سياق حركة سياسية نشيطة ومنسجمة ، ومدججة بالتكوين والتأطير الحزبي والنقابي ، دون اغفال التفاعلات الاجتماعية والثقافية ، الشئ الذي أفرز ممارسة سياسية سليمة ،خصوصا على مستوى انتاج خطاب سياسي يتسم ويوسم بالنضج ، بعيدا عن الضحالة الفكرية والسجال العقيم و الشعبوية المقيتة ، التي تفرز خطابا سياسيا موشوما بالتسطيح ، وبالانفعال المستهجن .

واذا ما التفتنا الى الوقت الراهن ، فان الخطاب السياسي يعيش حالة من الضبابية ،قد تنتقل به من حالة الاحتضار ،الى الموات لاقدر الله ،حالة من الانتظارية المملة والسكون الجامد، يجعل المسافة بين المواطن والسياسة تزداد هوة سحيقة ، وعوض أن نكون أمام طلاق رجعي ، نكون أمام طلاق بائن بينونة كبرى .

ان الرغبة الحثيتة في السمو بالخطاب السياسي ، لن تكون الابالتأطير القادر على افراز جيل جديد من النخب في مختلف المياديين ،خصوصا اذا علمنا أن نسبة التأطير النقابي على سبيل المثال لا الحصر لاتتجاوز 3بالمائة ، فما بالك بالتأطير السياسي عبر مختلف تلاوينه وقنواته المتداولة .

وعلى سبيل الختم ، فان “الخطاب السياسي النظيف ” يبقى السبيل الاوحد لمصالحة المواطن مع السياسة ،بالارتكاز على قدم الممارسة وباعتماد التأطير كمظلة تحمي المواطن من الزخات المطرية وصمام أمان ضد السكتتة القلبية .


شارك :

التسميات:

لا تعليقات في " اي خطاب سياسي نريد "

  • لمشاهدة الإبتسامات اضغط على مشاهدة الإبتسامات
  • لإضافة كود معين ضع الكود بين الوسمين [pre]code here[/pre]
  • لإضافة صورة ضع الرابط بين الوسمين [img]IMAGE-URL-HERE[/img]
  • لإضافة فيديو يوتيوب فقط قم بلصق رابط الفيديو مثل http://www.youtube.com/watch?v=0x_gnfpL3RM