شريط الاخبار

قائمة

انتروبولوجيا الطعام بالوسط القروي والحضري للرحامنة


محمد الجويري
في كل ثقافة من ثقافات العالم يشكل الطعام لغة للتواصل,وخصوصية مميزة لكل موروث محلي,وليس مجرد منتوجات تستعمل في الدراسات الاحصائية أو الغذائية.إنه نشاط سياسي يومي ذو معنى بالنسبة للثقافات الأخرى الموازية.         
في هذا السياق قال الانتروبولوجي كلود ليفي ستراوس بأن الطعام والمطبخ يقفان موقف وسط ما بين الطبيعة والثقافة,ومؤشر في التحولات السوسيو/اقتصادية وتعبير عن الغنى والفقر الاجتماعي.
فالدينامية الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الرحامنة بشقيها القروي والحضري تسجل تحولا نوعيا ملحوظ.فالقرية بالرحامنة تخلت عن" الكانون" الذي يضم حجرا للطبخ,و"الخبازالتقليدي"الذي ينم عن حياة الريف أو البادية,كل ذلك بسبب الهجرات التي تمت باتجاه مدينة ابن جرير وغيرها من المدن.وفي مرحلة متأخرة من القرن العشرين,تم استبدال الوسائل التقليدية للطبخ بأخرى مدنية نتيجة الهجرة المضادة من المدينة إلى القرية بحكم عدة عوامل تنموية (الكهرباء,الماء)التي ساهمت إلى حد كبير في استقرار الفلاح ,وفي عودة مجموعة ممن هاجروا إما بصفة نهائية أو مؤقتة,كل ذلك نتج عنه جلب ثقافة مدنية جديدة إلى موطن السكن بالبادية فيما يتعلق نطرق ووسائل الطبخ والتي فرضت نفسها على الخصوصية التي كان يتميز بها المطبخ القروي وبالتالي تحولات جديدة على مستوى الثقافة المحلية.      
أما على مستوى مدينة ابن جرير فقد شكل التقاء مجموعة من العادات والتقاليد المختلفة من جهات المغرب التي توافدت على المدينة بحكم العمل(القاعدة العسكرية,الفوسفاط,البوليتكنيك)أو من أجل الاستقرار النهائي شكل ذلك روافد للتلاقح بين هذه الخصوصيات المختلفة التي امتزجت في شكل كوكتيل ثقافي محلي على مستوى المطبخ والطعام بابن جرير,فالشواء الذي يشكل هوية أساسية مميزة للمدينة يفقد شيئا فشيئا مكانته لصالح مقاهي"الشوارمة"والأكلات السريعة"الساندويتش"مما يعني التخلي عن رمز من رموز الطعام المحلي أمام التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي أفضت إلى ظهور طبقات الغنى الاجتماعي التي انعكس وعيها الطبيعي والاقتصادي لا على نوعية المطبخ والطعام بالرحامنة ولكن أيضا على مستوى البناء,الذي أدى إلى ظهور منافسة شديدة في طريقة بناء وتجهيز المقاهي التي تؤتث فضاء ابن جرير من أجل جلب هذه الفئة الميسورة إلى المكان ونوعية الطعام الذي يناسبها.                                                  
لقد روجت هذه الفئة الجديدة لنموذج جديد من الأطعمة بالمدينة كتعبير عن انتمائها للعالم الأول,ومن هنا أصبحت"البصارة والحريرة"التي هي إفطار للعديد من الفئات الفقيرة من ثقافة الماضي وبالتالي الانتساب إلى فئة العالم الثاني التي تخلت عن مكانتها لرأسمال ثقافي واعد,في ظلت جماعة الصخور وبلدية سيدي بوعثمان تحافظان على الهوية المحلية المتمثلة في الشواء و"الكوكوت"التي تميز صخور الرحامنة كتعبير عن الاقصاء والحظوة الادارية التي أصبح يتمتع بها ابن جرير ,هذه الهامشية دفعت كل من الصخور وبوعثمان إلى تمييز أنفسهم على المستوى الثقافي بسبب الهامشية التي باتوا يشعرون بها تجاه الثقافة الجديدة بان جرير التي باتت تفرض على المواطن المحلي إحياء الهوية المحلية للموروث الثقافي عبر الخرجات إلى الطبيعة مع طعام المشوي أو عبر الحفلات والاعراس التي لا يزال البعض منها يحافظ على ثقافة"الشفنج"الذي يقدم للأهل والأحباب مع العسل والسمن خاصة في البوادي الرحمانية.                                

شارك :

التسميات:

لا تعليقات في " انتروبولوجيا الطعام بالوسط القروي والحضري للرحامنة "

  • لمشاهدة الإبتسامات اضغط على مشاهدة الإبتسامات
  • لإضافة كود معين ضع الكود بين الوسمين [pre]code here[/pre]
  • لإضافة صورة ضع الرابط بين الوسمين [img]IMAGE-URL-HERE[/img]
  • لإضافة فيديو يوتيوب فقط قم بلصق رابط الفيديو مثل http://www.youtube.com/watch?v=0x_gnfpL3RM