شريط الاخبار

قائمة

انثربولوجيا التطرف

بقلم الدكتور محمد فخر الدين :

ننطلق اولا من ادانة هذه الجريمة و أي عمل ارهابي في أي زمان و في أي مكان و من أي جهة كانت و لأية اسباب و تبريرات ..و من تم هذا المقال الذي يحاول ان يقدم فهما لهذه الجريمة ضد الانسانية من الناحية الانثربولوجية... 
ان الثقافة تؤثر في الشعوب و تخلق القيم و التوجهات التي يعيش بها البشر وتتحول الى سلوكات من قبول بالأخر و من رفض له من الشعور بالتفوق العرقي الى الشعور بالمهانة و الدونية و الشعور بضرورة عمل شيء ما من اجل استعادة الامجاد المسروقة او القابلة للضياع بتهديد مفترض بوجود الآخر المختلف ثقافيا و رمزيا و تلعب الرموز  شكل اللباس لون البشرة الرموز الخاصة لثقافة ما و ما يرتبط بها من معتقدات وممارسات حياتية و دينية دورا مهما في تأكيد الشعور بهذا التهديد المفترض و في الاعداد لرد ممن يلتقطون هذه الاشارات و الرموز الثقافية  بشكل سلبي مبالغ فيه لا كاختلاف ثقافي مقبول يؤكد على التعدد الثقافي الانساني  و لكن كتهديد وجودي يستوجب رد الفعل المخلص  ..
هذا الفعل الذي لا يكون داءما سلميا و لا علميا و يكاد يكون التطرف و ما ينسب اليه من افعال ضد انسانية جوابا على شعور الذات الفردية و الجماعية بتهديد هوسي و خوف من الاخر و عدم القدرة على التواصل و الحوار و فهم ثقافته ، بل الاكتفاء بخلق تمثلات محصورة لصورة الاخر منمطة في كاءن متطرف بدوره يريد الشر لاصحاب الارض الاصليين، بل يهدد وجودهم بخطابه و رمزيته ، و بتزايد اتباعه او ببعض الاحداث المعزولة التي تروج لها وسائل الاعلام بشراهة حتى تصير  صفة نمطية ملتصقة بالاخر كعدو متربص بالامن و الاستقرار و الحضارة، كما تلعب التغطيات الاعلامية للحروب بالشرق الاوسط على شيطنة المنتمين لهذه البلدان و تصويرهم لشعوب الارض جميعا و خاصة لمواطنيها  انهم خارجون من ركب الحضارة العالمية و مستعدين انطولوجيا للحرب و الدمار و كل ما ينافي الاخلاق و القيم الانسانية  ..
ان التطرف من أي مصدر كان هو رد فعل قبل ان يكون فعلا هو خوف من الاخر و جهل بحقيقته ..و هو بسهولة  يقبل التوظيف بطريقة لا شعورية في جراءم مختلفة من اجل الدفاع عن الانا المهددة بشكل مرضي في نوع من الفوبيا الجماعية  للوصول في النهاية الى الهدف المضمر نفسيا و المنحدر من الاساطير القديمة التي عرفتها البشرية منذ القديم و التي جعلت الجزء المجهول من العالم محورا للشر و الظلام و العتمة ..وجعلت نقطة من العالم نقطة مضيئة محورا للخير و مشروعا للبطل المؤسس ،  وهو مشروع تطهيري للأرض من الكائنات المعتمة التي يجسدها بشكل معاصر  المختلف و المعارض و حتى المتردد ..و تلعب التعبيرات الرمزية دورا كبيرا في هذه المواجهات الثقافية ..
و الفكرة تنحدر ايضا من نوع من الانثربولوجيا المركزية التي ترى ان الحضارة و العقل منحصرين في الغرب العاقل و في بعض الاثنيات المعزولة و أن الاخرين المتوزعين عبر العالم هم بقايا قبائل همجية تهدد الحضارة و الذين ينبغي التخلص منهم عن طريق الاستعباد مرة و شغلهم بحروب بينية بينهم  على السلطة و الثروات و ابقاء حالات التخلف و القهر  و التبعية ...
و يمتاز الفكر المتطرف بعدم الاستقرار و التارجح المزاجي من احتقار للذات الجمعية حتى جعلها فوق البشر و كونها ذات رسالة خارقة فوق بشرية لا تقبل النقاش او المجادلة ..
. ان الذات المتطرفة في كل مكان من هذا العالم ذات تعاني اولا من الفصام و ثانيا من التضخم النرجسى و من التماهي بأبطال الاساطير المؤسسة و من تم فإنها ترى نفسها وسيلة لتحقيق مشروع تصاعدي متعال عن صراع البشر ووجودهم الى فهم الفعل المتطرف كتكليف الاهي و تضحية ضرورية لصالح الخلق و العالم ...
و متى وصل الفكر و العاطفة معا الى هذه الدرجة من الغلو  و التقمص التاريخي ، اصبح كل شيء مباحا بالنسبة لها و ممكنا و باي سلاح متوحش او غيره  ، فالاخر لا يستحق العيش لانه ليس بشرا في شيء ، و تتلاحق التبريرات المصاحبة بان الاخر شر و مجرد اوساخ عالقة  و الذات الخيرة لا بد ان تقوم باي شيء لتخلص ذاتها ووجودها من هذا الشر الذي يهدد البشرية في وجودها و في بلادها  بل يهدد الارض كلها بالفناء ...
وتزيد وساءل الاعلام من تكريس ثقافة العداء للأخر بشيطنته مرة و بتضخيم وجوده خدمة لاجندات سياسية و اقتصادية..التي تنعكس على الأفكار و المعتقدات بل توظفها احيانا كثيرة في تأجيج التطرف المتبادل في كل الاتجاهات ..فالكل يقتل الغير من اجل فكرة يؤمن بها بطريقته الخاصة و يعتقد انها الحقيقة و ينسى ان الاديان هي اصلا من جل خير الانسانية و كذلك الفلسفات و المواثيق و النظريات العلمية ...
ان التطرف دائما له اتباع في الخطاب الذي يبرر التطرف و يدعو له و هو يحتاج دائما غربا و شرقا  و جنوبا الى سماد من الجهل و الفقر و الحرمان  و التخلف الفكري و الوجداني ...

شارك :

لا تعليقات في " انثربولوجيا التطرف "

  • لمشاهدة الإبتسامات اضغط على مشاهدة الإبتسامات
  • لإضافة كود معين ضع الكود بين الوسمين [pre]code here[/pre]
  • لإضافة صورة ضع الرابط بين الوسمين [img]IMAGE-URL-HERE[/img]
  • لإضافة فيديو يوتيوب فقط قم بلصق رابط الفيديو مثل http://www.youtube.com/watch?v=0x_gnfpL3RM