شريط الاخبار

قائمة

رحيل عدنان

 


حين علمت بخبر رحيل عدنان عن هذه الأرض بتلك الطريقة البشعة، أول سؤال تبادر الى ذهني هو:"هل لدى عدنان إخوة؟ أبناء اقارب؟ اصدقاء؟ اولئك الذين هم مثله صغار، وصدموا من خبر اختطافه، واغتصابه، وقتله؟ ان كان لديه، وأكيد لديه "هل تحدث اليهم أحد؟ هل اخضعهم لعلاج ما بعد الصدمة؟ هل ساعدهم على تجاوز هذا الفراق البشع وشرح لهم ما يحدث على هذه الارض التي أوتي بهم اليها؟ هل علمهم أحد اقل مبادئ التربية الجنسية؟ هل علمهم أحد أن جسدهم ملكهم وحدهم؟ هل  علمهم كيف يحمون انفسهم من محيطهم دون ان يكبروا خائفين منعزلين؟ هل راجع أحدهم مفهوم "الطاعة" للكبار الذي نتربى عليه، والذي نتربى على انه دليل أدب واحترام والذي يجعل الطفل عاجزا عن رفض طلبات "عمو"، حتى لا تغضب منا "ماما"، وحتى يرضى عنا "بابا"؟ هل أعاد أحدهم التفكير في طريقة تربيتنا لاطفالنا والتي تخلو من الحوار معهم، من الانصات لهم، ومن الرد على اسئلتهم بأجوبة قاتلة من قبيل:"حتى تكبر وتفهم"، "منلي يكونو لكبار كيهضرو الصغار يسكتو"، وكل تلك الجرائم التي نرتكبها في حق أطفال نعتقد انه كل ما يحتاجونه منا هو أكله، وشربه، ولباسه، ولعبه، وطرح سؤال غبي عليه:"ماذا تريد ان تصبح حين تكبر؟". 


إخوة عدنان ان كان له اخوة، اترابه، اصحابه، اقرانه، كلهم شعروا في تلك الليلة البشعة انهم اختطفوا، اغتصبوا، وقتلوا، لكن هل جعلناهم يعبرون عن هذا الشعور؟ هل ساعدناهم على التعبير عن مخاوفهم؟ ام اكتفينا بتشديد الحراسة عليهم، واهمال مخاوفهم التي يعجزون عن التعبير عنها بانفسهم، والتي يعتقد الاباء انه يكفي انهم يعبرون عنها مكانهم بدل ان نعلمهم كيف يعبرون بانفسهم عن انفسهم، وكيف يحمون انفسهم بانفسهم، وكيف يميزون بين "عمو"، و"عمو"، خاصة وان الاعتداء الجنسي يتم غالبا من المحيط القريب للطفل؟ 


جيد هذا النقاش المحموم حول طريقة القصاص من المجرم وان كان بدأ يتم توظيف هذا الغضب سياسيا للأسف، وتحول الى "سلعة للايكات" من صفحات المتاجرة بالأحداث، لكن ان كنا فعلا نفكر في انقاذ اطفالنا من مجرمين قادمين، فعلينا أيضا الانتباه ا تداعيات مثل هذه الاحداث على نفسية إطفالنا. 


 الكثير من الأمور التي نصمت عليها، او نتعامل معها بالتجاهل، دون ان نعلم ان لا شيء ينسى في الحقيقة، وان المشاعر السلبية تخزن في العقل الباطني، وقد تتحول الى اضطرابات نفسية يصعب التعامل معها، وتؤثر فينا، وفي قراراتنا، وعلاقتتنا دون أن ندري. 


طريقة تعاملنا مع صدمة الفراق، وموت الفجأة، يجب ان تتغير، الصبر مفتاح المؤمن صحيح، لكن هذه أمور يجهل الطفل التعامل معها، تأثير خبر الموت، والفراق، على الاطفال، أمر نهمله، ونهمله اكثر حين نتكلم بالنيابة عنهم، ولا نترك لهم المسافة للتعبير عن انفسهم بانفسهم. 


رحيل أخي الذي كان يكبرني بسنتنين، بدون وداع، وانا في سن التاسعة، ترك فيا شرخا نفسيا لا زلت أدفع ثمن تداعياته الى اليوم من حياتي الشخصية، ووضعي الصحي، لأنه لم يعالج في وقته. ان كان الكبار تعلموا التعامل مع الفراق، وموت الفجأة، بالايمان، والصبر، والبكاء، والصراخ، فالصغار يجهلون التعامل معه، يعتقد الكبار ان بكاءهم يكفي، أنا هنا اتحدث عن رحيل عادي، وليس عن رحيل مأساوي مثل الذين حدث لعدنان، واطفال رحلوا بنفس الطريقة البشعة التي رحل بها عدنان. 


رحيل عدنان اعاد الى الواجهة النقاش حول عقوبة الاعدام، لكن توظيفه السياسي، والتجاري، بدل انزاله من العالم الافتراضي، الى المرافعة على الميدان، يهدد ليس فقط بتكاثر الوحوش الادميين بيننا، لكن أيضا بجيل مجروح جديد، ينضاف الى تلك الاجيال السابقة مثلنا، التي تربت على التستر على جروحها النفسية، لأننا مجتمع لا يهتم الا بما ظهر، ولاننا نعتقد ان ما اصاب عدنان واهله، لن يصيبنا لاننا شددنا الحراسة على اطفالنا. 


ان كنا فعلا نريد حماية اطفال جدد من ان يتحولوا الى ضحايا الاعتداء، او اقله الخوف من التعرض للاعتداء، فعلينا  أن نغير طريقة تعاملنا مع  الأطفال، من خلال مساعدتهم على ادارة مشاعرهم ما بعد الصدمة، تركهم يتحدثون عن انفسهم بانفسهم، كسب ثقتهم وتفهم انه لا يكفي ان تكون والدهم لتحصل على ثقتهم، التصالح مع التربية الجنسية بعيدا عن ثقافة"ويلي، عيب، حشوما"، 


البكاء على الماضي، وعلى ثقافة الحي، ووووو لن يعيد عدنان، ولن يحمي اقرانه، هناك واقع يقول ان العائلة النووية لم تعد قادرة على حماية نفسها بعد انفصالها عن القبيلة، والعائلة الممتدة، وانعزالها عن الحي، وقتل المدرسة العمومية، وانها تجد نفسها اليوم امام واقع لا علاقة له بما عاش فيه الاباء، ما سيحمي هؤلاء الاطفال هو التمرد على ثقافة "الولد المطيع"، ومنحهم الوقت للانصات اليهم بدل التعامل معهم على انهم لعبة نقضي رفقتها بضع وقت حين العودة من العمل، وحين يكبرون نكتفي بامطارهم بالتعليمات، والأوامر تحت سوط "ها السخط ها الرضا". 


رحيل #عدنان، هو فرصة لمناقشة جادة وغير مسيسة للقصاص، كما أنه فرصة للتصالح مع أطفالنا، ومع طفولتنا أيضا.

شامة دارشول

شارك :

لا تعليقات في " رحيل عدنان "

  • لمشاهدة الإبتسامات اضغط على مشاهدة الإبتسامات
  • لإضافة كود معين ضع الكود بين الوسمين [pre]code here[/pre]
  • لإضافة صورة ضع الرابط بين الوسمين [img]IMAGE-URL-HERE[/img]
  • لإضافة فيديو يوتيوب فقط قم بلصق رابط الفيديو مثل http://www.youtube.com/watch?v=0x_gnfpL3RM