الكركرات ونجاحات المغرب الاستراتيجية
سنة 2002، تصدر #المغرب و #إسبانيا أخبار العالم، وباتت جزيرة ليلى "الصخرة" التي كادت أن تفجر حربا عسكرية بين البلدين. اعتبرت إسبانيا تواجد جنود مغاربة بالجزيرة ورغم قلة عددهم، محاولة من #المغرب لفرض أمر الواقع عليها، واسترجاع مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين من خلال "مغربة الجزيرة" بعد أن كان اتفاق بين البلدين على جعلها أرضا محايدة تستغل من الطرفين في مراقبة تحركات المهاجرين غير الشرعيين والمهربين وغيرهم.
حين وصل الخبر من #سبتة إلى قصر الرئاسة في إسبانيا، كان مدعوما بالتفسير التالي:"المغرب يقوم برد فعل على تواجد السفن البحرية الإسبانية منذ مدة بالقرب من الحسيمة"، ومع ذلك اختار رئيس الحكومة الإسباني عدم التصعيد مع المغرب، وأمر بعدم تسريب الخبر للصحافة الإسبانية، وترك الأمر للدبلوماسية تنظر فيه، لكن المخابرات العسكرية الإسبانية كسرت حظر رئيس الحكومة المدني وسربت الخبر للصحافة، واستيقظ العالم على عناوين الصحف وهي تتساءل "هل ستشعل ليلى حربا بين المغرب وإسبانيا؟".
ما فعلته إسبانيا وقتها كان مهما للمغرب، فأحيانا كثيرة تحتاج أن تستفز الطرف الاخر لتختبر ردة فعله، فتصبح قادرا على دراستها، وبناء عليها يمكنك أن تعيد بناء استيراتيجية دفاعك، وأحيانا كثيرة عليك بالتصعيد لتحصل على بعض المكتسبات، فليس كل تصعيد ينتهي بمواجهة عسكرية، ومن هنا يمكن قراءة أزمة معبر #الكركرات كما قرئت سابقا أزمة جزيرة ليلى.
شنت إسبانيا حربا إعلامية ضروسا على المغرب لتظهره على أنه "الجار المعتدي"، ولتكسب تعاطف المجتمع الدولي، وجاء الرد فورا من الاتحاد الأوروبي الذي وقف في صف إسبانيا، إضافة إلى دعم حلف الناتو، في الوقت الذي حصل فيه #المغرب على دعم وحيد أتى من أمين الجامعة العربية وقتها عمرو موسى.
أنزلت إسبانيا العسكر في سبتة المحلتة لتبعث إلى ساكنتها برسائل الإطمئنان، وحرصت على مراقبة رد فعل المهاجرين المغاربة، والمنظمات الإسلامية التي تشتغل على الأراضي الإسبانية، وتحضرت لمنع تحويل المهاجرين المغاربة للأموال إلى البلد الأم، ومنع مرور الشاحنات المغربية إلى إسبانيا، لكن الحرب الإعلامية حظيت بالشق الأكبر في استيراتيجية إسبانيا ضد المغرب.
كل ما فعلته #إسبانيا وفر للمغرب مخزونا جيدا من المعلومات والبيانات عن إسبانيا العسكرية، كيف تفكر، كيف تتحرك، نقط قوتها، نقط ضعفها، ونقط قوة وضعف المغرب عسكريا ومدنيا، فما هو أهم من الحرب هو أن تحصل على ما يكفي من المعلومات والبيانات التي تساعد في إعادة قراءة "العدو"، والتي لا يمكن الحصول عليها بسهولة، أو معرفتها، وقت "السلم".
أزمة الكركارات تكاد تكون مشابهة لأزمة جزيرة ليلى، ليس في طبيعتها، ومكانة الصحراء المغربية عند المغاربة شعبا ودولة، ولكن في "فلسفة التصعيد من أجل المكسب"، كاستيراتيجية من استيراتيجيات الحروب اللاعسكرية.
وقعت البوليساريو في الفخ، وصدقوا أنه يكفي خروجهم لقطع الطريق في معبر #الكركرات كاف لاستفزاز المغرب ليس فقط من أجل جره لحرب، وإنما أيضا من أجل خروج انفصاليي الداخل من ساكنة الصحراء في مظاهرات تندد ب"الاحتلال المغربي"، وأن تغطية إعلامية دولية لهكذا حدث تزامن مع ما وقع في #كاراباخ" بين أرمينيا، وأدربيدجان كاف من أجل إنهاء حالة اللاحرب واللاسلم التي ميزت عددا من مناطق التوتر التي دخلت مرحلة الجمود منذ نهاية الحرب الباردة، وجاء وقت حسمها خاصة في ظل التغيرات الجذرية التي يعرفها العالم اليوم.
ترك المغرب جماعة البوليساريو لأسابيع ترتكب أخطاء وعينه على الحصول على "غطاء شرعي" للسيطرة على معبر الكركارات، وإقامة حزام أمني يسمح بحركة تنقل الأشخاص والبضائع من المغرب إلى #موريتانيا وباقي الدول خاصة وأن المغرب يراهن على الطريق الصحراوي نحو إفريقيا، وأيضا الجسر البحري نحو العمق الإفريقي الذي وعد به العاهل المغربي في خطاب المسيرة.
تعلم المغرب كثيرا من المواجهات السابقة، ومن بينها تبني "فلسفة التصعيد" كسلاح حربي لاعسكري.
أخرج ناصر بوريطة بلاغا حادا يقول فيه إن المغرب لن يتعامل مع عصابات، وأكملت الدبلوماسية الخارجية توظيف "الحرب القانونية"، Lawfare رمت بالكرة في ملعب المينورسو، وبعدها الأمم المتحدة، وتركتهم ينقلون تقاريرهم التي بينت محاولات للبوليساريو لاستفزاز جنود مغاربة، تسلح البوليساريو بمدرعات بشرية، لينقلوا إلى العالم أن المغرب يعتدي على مدنيين، وواصل المغرب ليس ضبط النفس، ولكن الصمت على هذا التصعيد ليتركه يتصعد أكثر وأكثر، ويحرج الأمم المتحدة التي حولت ملف الصحراء إلى ملف منسي حتى أنها لم تعين مبعوثا أمميا جديدا، وكأنها تترك ورقة الصحراء مجمدة لتحركها الدول الغربية متى تشاء .
صبيحة الجمعة، سيستيقظ المغرب على بلاغ من الجيش، ومن وزارة الخارجية، يخبر العالم أن المغرب مضطر إلى التحرك من أجل "تعزيز اتفاقية وقف إطلاق النار" بطرق سلمية، وفي إطار الشرعية الدولية، ويشهد الأمم المتحدة على ذلك، وهذه المرة سيكون المغرب مسلحا بمنابره الإعلامية الوطنية، وأيضا المنابر الصديقة من الدول العربية، وسيصدر الإعلام المغربي للسفارات الأجنبية، والمنظمات الدولية، والمراقبين صورة المغرب الذي يحاول تأمين أرواح العابرين من الكركارات بعيدا عن رصاص البوليساريو، وصورة المغاربة الذين يدعمون من خلال الشبكات الاجتماعية بلدهم في قضية مغربية الصحراء.
وفي سويعات باتت تتبدى مكاسب المغرب، أو لنقل مكاسب "فلسفة التصعيد"، بدأت بالإعلان عن "تطهير المعبر"، وإقامة حزام أمني، وتوالت مع بلاغات وزارات الخارجية في كل من "#السعودية #الكويت #الإمارات، #قطر، #سلطنة_عمان، #سلطنة_عمان، #البحرين و #الأردن". تمهيدا لفتح قنصلياتها ب #العيون، ولدعم المغرب كبوابة مستقبلية لهذه الدول إلى إفريقيا، والاعتماد على حليف مثل المغرب ينزع إلى البناء وليس إلى الهدم، ويميل إلى الشراكة وليس الابتزاز، ونموذج ذلك موقف المغرب من الملف الليبي حيث تمسك بخيار "الحل الليبي-الليبي"، ونأى بنفسه بعيدا عن تحويل ليبيا إلى بقرة حلوب على يد الدول الشقيقة قبل الغريبة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو:
- هل كان صدفة أن الدول العربية التي أعلنت دعمها للمغرب في أزمة الكركارات كلها تلتقي مع المغرب في طبيعة نظام الحكم فيها أي أنها أنظمة ملكية أو أميرية؟
- وهل كان صدفة أن #مصر والتي تختلف مع المغرب في طبيعة نظام الحكم وتجتمع مع #الجزائر في نظام الحكم العسكري لم تعلن دعمها للمغرب؟
- وإن كان مفهوما الحرب الإعلامية التي شنتها صحف النظام الجزائري على المغرب وبلاغاتها التي دعت فيها المغرب والبوليساريو إلى ضبط النفس، ووصفت المغرب بالبلد المحتل، في محاولة لتقديم المغرب إلى المجتمع الدولي في أزمة الكركارات أنه "المعتدي" كما حاولت إسبانيا نفس الأمر في أزمة جزيرة ليلى فما الذي يدفع ضابطا عسكريا مصريا في بعثة المينورسو المسؤولة على حفظ السلام إلى استغلال منصبه لتحريض الصحراويين ضد المغرب كما تبين من فيديو مسرب له سنة 2013؟
أسئلة كثيرة ستظل تطرح، فحتى الأسئلة والتساؤلات هي أيضا مكتسبات، مادامت ليست كل حرب يجب أن تكون عسكرية، وليس كل تصعيد يجب أن ينتهي بالضرورة بحرب، لكن الزمن هو ما يحدد ما هي الأسئلة التي تستعجل الجواب، وما هي الأسئلة التي يمكن أن تظل في خانة التساؤلات، لذلك الأسئلة التي تطرح نفسها اليوم هي:
-هل سيملك #المغرب أخيرا قوة المبادرة لجمع شتات الأنظمة الملكية في المنطقة في مجلس واحد للدول الملكية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
-وهل سيكون المغرب هذه المرة على موعد مع الزمن ولا يؤخر فرصة إعادة طرح "مبادرة الصلح" وباسم "حماية الأنظمة الملكية" إلى جانب #الكويت وسلطنة عمان لإنهاء المقاطعة بين قطر والامارات والسعودية والبحرين، والانتقال من عباءة "الحديقة الخلفية" التي صممتها الدول الاستعمارية إلى دور "الشريك" خاصة في ظل الموت السريري لجامعة الدول العربية التي لم نعد نسمع لها صوتا؟
شامة دا رشول
لا تعليقات في " الكركرات ونجاحات المغرب الاستراتيجية "