شريط الاخبار

قائمة

وكأن المغرب بلد بلا تاريخ!!







عبد الله الدامون
يمكن‭ ‬لأي‭ ‬واحد‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬محاكم‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬طنجة‭ ‬إلى‭ ‬الكويرة‭ (‬إن‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الكويرة‭ ‬محكمة‭ ‬أصلا‭) ‬ويرى‭ ‬ما‭ ‬بداخلها،‭ ‬وسيجد‭ ‬أن‭ ‬البؤس‭ ‬هو‭ ‬وحده‭ ‬المعشش‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬محاكم‭ ‬البلاد،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬أن‭ ‬الأصص‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬بعضها‭ ‬‮«‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الجفاف‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬يرويها‭ ‬فتيْبس‭ ‬نباتاتها‭ (‬الحبق‭ ‬غالبا‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬أحيان‭ ‬أخرى‭ ‬تكون‭ ‬مجرد‭ ‬نباتات‭ ‬من‭ ‬البلاستيك‭ ‬يكسوها‭ ‬الغبار‭ ‬ويعشش‭ ‬عليها‭ ‬الذباب‭ ‬والبراغيث‭.‬
من‭ ‬غير‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬محكمة‭ ‬مغربية‭ ‬وتجد‭ ‬فيها‭ ‬جمالية‭ ‬تذكّرك‭ ‬بأنك‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬إنساني‭ ‬جميل،‭ ‬فالمحكمة‭ ‬هي‭ ‬القاعة‭ ‬التي‭ ‬تسبق‭ ‬السجن،‭ ‬أو‭ ‬تجعلك‭ ‬تعتقد‭ ‬نفسك‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬الانتظار‭ ‬نحو‭ ‬السجن،‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬فيها‭ ‬أي‭ ‬حس‭ ‬إنساني،‭ ‬هناك‭ ‬فقط‭ ‬موظفون‭ ‬عابسون‭ ‬وأمنيون‭ ‬بلا‭ ‬ملامح‭ ‬ومحامون‭ ‬يهرولون‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬ومتقاضون‭ ‬تائهون‭ ‬وسماسرة‭.. ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬السماسرة‭.‬
من‭ ‬رأى‭ ‬منكم‭ ‬لوحة‭ ‬فنية‭ ‬في‭ ‬محكمة‭ ‬مغربية‭ ‬فلينشر‭ ‬صورها‭ ‬على‭ ‬‮«‬الفيسبوك‮»‬‭ ‬و»التويتر‮»‬‭ ‬وما‭ ‬شابههما‭ ‬من‭ ‬حيطان‭ ‬الأنترنيت،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬تجدوا‭ ‬لوحة‭ ‬فنية‭ ‬في‭ ‬محكمة،‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬تجدوا‭ ‬معمارا‭ ‬مغربيا‭ ‬أصيلا،‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬تجدوا‭ ‬قاعة‭ ‬محكمة‭ ‬فيها‭ ‬مواصفات‭ ‬القاعة‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬تذكر‭ ‬المتقاضين‭ ‬بأنهم‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬عريق‭ ‬اسمه‭ ‬المغرب‭ ‬وليسوا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬بلا‭ ‬جذور‭.‬
محاكم‭ ‬المغرب‭ ‬مجرد‭ ‬قاعات‭ ‬بئيسة‭ ‬لقضاء‭ ‬الأغراض،‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬يقضي‭ ‬غرضه‭ ‬بطريقة‭ ‬ما،‭ ‬فمنها‭ ‬تخرج‭ ‬الملايير‭ ‬وإليها‭ ‬تدخل‭ ‬الملايير،‭ ‬لكنها‭ ‬تبقى‭ ‬مجرد‭ ‬أمكنة‭ ‬بئيسة‭ ‬تعشش‭ ‬فيها‭ ‬البرودة،‭ ‬الداخل‭ ‬إليها‭ ‬مفقود‭ ‬والخارج‭ ‬منها‭ ‬شبه‭ ‬مولود،‭ ‬وفي‭ ‬جنباتها‭ ‬يحدث‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬عين‭ ‬رأت‭ ‬ولا‭ ‬أذن‭ ‬سمعت‭.‬
في‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬المتحضر،‭ ‬تدخل‭ ‬محكمة‭ ‬فيكون‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬يستقبلك‭ ‬ليس‭ ‬شرطيا‭ ‬عابسا‭ ‬أو‭ ‬‮«‬شاووشا‮»‬‭ ‬مغرورا،‭ ‬بل‭ ‬جدارية‭ ‬فنية‭ ‬رائعة‭ ‬تؤرخ‭ ‬لتاريخ‭ ‬المحاكم‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬أو‭ ‬ترمز‭ ‬إلى‭ ‬معنى‭ ‬العدل‭. ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬جنبات‭ ‬المحاكم‭ ‬المتحضرة،‭ ‬تجد‭ ‬لوحات‭ ‬فنية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬وجداريات‭ ‬رائعة‭ ‬في‭ ‬الأسقف‭ ‬والجوانب،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أنك‭ ‬تتساءل‭ ‬محتارا‭ ‬عما‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬محكمة‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬متحف‭.‬
الجفاف‭ ‬الذي‭ ‬نعانيه‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬محاكمنا،‭ ‬بل‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الإدارات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬والخاصة،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أنك‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬بلد‭ ‬بلا‭ ‬تاريخ،‭ ‬وبلد‭ ‬بلا‭ ‬مجد،‭ ‬وبلد‭ ‬بلا‭ ‬فنانين‭ ‬وبلا‭ ‬مسؤولين،‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬داخل‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬وإداراتنا‭ ‬هو‭ ‬اللهاث‭ ‬وراء‭ ‬الصفقات‭ ‬ووراء‭ ‬لقمة‭ ‬العيش،‭ ‬أما‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬ذلك‭ ‬فمجرد‭ ‬أشياء‭ ‬زائدة‭ ‬بلا‭ ‬معنى‭.‬
هناك‭ ‬بلد‭ ‬جار‭ ‬لنا‭ ‬يلعب‭ ‬بالتاريخ‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان؛‭ ‬ففي‭ ‬أية‭ ‬بلدية‭ ‬أو‭ ‬محكمة‭ ‬أو‭ ‬برلمان‭ ‬جهوي‭ ‬أو‭ ‬مركزي‭ ‬أو‭ ‬مؤسسة‭ ‬حكومية‭ ‬يضع‭ ‬الإسبان‭ ‬عددا‭ ‬كبيرا‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬اللوحات‭ ‬الفنية‭ ‬والصور‭ ‬الفوتوغرافية‭ ‬التي‭ ‬تؤرخ‭ ‬لكل‭ ‬شيء‭ ‬تقريبا،‭ ‬بدءا‭ ‬بمأساة‭ ‬طرد‭ ‬الموريسكيين،‭ ‬ومرورا‭ ‬بالفترة‭ ‬الكولونيالية‭ ‬والدكتاتورية،‭ ‬وانتهاء‭ ‬بالمرور‭ ‬نحو‭ ‬الديمقراطية‭ ‬ودخول‭ ‬إسبانيا‭ ‬نادي‭ ‬البلدان‭ ‬الأكثر‭ ‬تقدما‭.‬
في‭ ‬برلمان‭ ‬إسبانيا‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بالألوان،‭ ‬الأسقف‭ ‬والجدران‭ ‬والأرضية‭ ‬والغرف‭ ‬والمداخل‭ ‬والمخارج،‭ ‬وحتى‭ ‬المراحيض‭ ‬لها‭ ‬مقاييس‭ ‬فنية‭. ‬في‭ ‬القاعة‭ ‬الرئيسية‭ ‬لوحاتٌ‭ ‬عملاقة‭ ‬تؤرخ‭ ‬لبداية‭ ‬العمل‭ ‬النيابي‭ ‬والبرلماني‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬ولوحات‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭ ‬توضع‭ ‬أمام‭ ‬أعين‭ ‬النواب‭ ‬لكي‭ ‬تذكّرهم‭ ‬بتاريخهم‭ ‬وتاريخ‭ ‬الذين‭ ‬ينوبون‭ ‬عنهم‭. ‬وفي‭ ‬سقف‭ ‬البرلمان‭ ‬جدارية‭ ‬دينية‭ ‬كبيرة‭ ‬بها‭ ‬ثقوب‭ ‬رفيعة،‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬الفئران،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬آثار‭ ‬الرصاص‭ ‬الذي‭ ‬اخترق‭ ‬سقف‭ ‬البرلمان‭ ‬خلال‭ ‬المحاولة‭ ‬الانقلابية‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الجنرالات‭ ‬أوائل‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وأد‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الفتية،‭ ‬حيث‭ ‬دخل‭ ‬العسكر‭ ‬مقر‭ ‬البرلمان‭ ‬وأطلقوا‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬لتخويف‭ ‬النواب،‭ ‬فبقيت‭ ‬آثار‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬الأمكنة‭ ‬نفسها‭ ‬لكي‭ ‬تـُذكّر‭ ‬الإسبان‭ ‬بأن‭ ‬ثمن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬ليس‭ ‬سهلا،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬‮«‬القطرة‮»‬‭ ‬ترشح‭ ‬عبرها‭ ‬على‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬موسم‭ ‬الأمطار‭ ‬العاصفة‭.‬
أما‭ ‬نحن،‭ ‬فندخل‭ ‬برلماننا‭ ‬ولا‭ ‬نعرف‭ ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬ممثلي‭ ‬الأمة‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬الغُمّة‭.. ‬لا‭ ‬لوحة‭ ‬هنا‭ ‬ولا‭ ‬جداريات‭ ‬هناك‭ ‬ولا‭ ‬معالم‭ ‬فنية‭ ‬ولا‭ ‬صور‭ ‬فوتوغرافية‭ ‬ولا‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يذكّر‭ ‬الناس‭ ‬بتاريخهم‭. ‬كل‭ ‬الردهات‭ ‬وكل‭ ‬القاعات‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬فارغة‭ ‬وبدون‭ ‬معنى،‭ ‬ربما‭ ‬لأن‭ ‬البرلمان‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬فارغ‭ ‬وبدون‭ ‬معنى‭ ‬وتسيل‭ ‬منه‭ ‬‮«‬القطرة‮»‬‭ ‬على‭ ‬المغاربة‭ ‬شتاء‭ ‬وصيفا‭.‬

في‭ ‬مقر‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسبانية،‭ ‬يوجد‭ ‬أيضا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفن‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭. ‬هناك‭ ‬لوحات‭ ‬وصور‭ ‬فوتوغرافية‭ ‬لكل‭ ‬شيء‭ ‬تقريبا،‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬نشأة‭ ‬البلاد‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭. ‬هي،‭ ‬في‭ ‬الغالب،‭ ‬صور‭ ‬حميمية‭ ‬لسياسيين‭ ‬يتناقشون‭ ‬أو‭ ‬يتضاحكون‭ ‬أو‭ ‬يشعلون‭ ‬السجائر‭ ‬لبعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬وهم‭ ‬يلعبون‭ ‬‮«‬الدّومينُو‮»‬‭. ‬هناك‭ ‬صورة‭ ‬للملك‭ ‬السابق‭ ‬خوان‭ ‬كارلوس‭ ‬وهو‭ ‬يقدم‭ ‬القهوة‭ ‬إلى‭ ‬السياسيين‭ ‬وزعماء‭ ‬أحزاب‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬المشارب،‭ ‬هم‭ ‬لا‭ ‬يضعون‭ ‬صور‭ ‬الملك‭ ‬في‭ ‬زوايا‭ ‬خاصة‭ ‬وكأنه‭ ‬يعيش‭ ‬لوحده،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬للملك‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مندمجا‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭... ‬بل‭ ‬في‭ ‬خدمتهم‭.‬

شارك :

التسميات:

لا تعليقات في " وكأن المغرب بلد بلا تاريخ!! "

  • لمشاهدة الإبتسامات اضغط على مشاهدة الإبتسامات
  • لإضافة كود معين ضع الكود بين الوسمين [pre]code here[/pre]
  • لإضافة صورة ضع الرابط بين الوسمين [img]IMAGE-URL-HERE[/img]
  • لإضافة فيديو يوتيوب فقط قم بلصق رابط الفيديو مثل http://www.youtube.com/watch?v=0x_gnfpL3RM