شريط الاخبار

قائمة

بعض الإكراهات الكبرى أمام التنمية


 كنا قدمنا في الجزء الأول مجموعة من الملاحظات، ساهمنا بها –من وجهة نظرنا-لرفع     اللبس وإضاءة بعض العتمات, التي يستغلها البعض للتشويش على تجربة, أبدا لن تدعي الكمال ،ولا الاستثناء حتى ،بل تعتبر عملها صيرورة ترتكز على التراكمات, وتتجدد مع تجدد الحاجيات والمتطلبات, وتعمل في إطار الممكن وصراع دائم مع الاكراهات, لإبداع حلول مكيفة ومندمجة. هذا الصراع المستمر والمتجدد مع تجدد المشاكل والاجيال، يجعل من الصعب تعريف التنمية بمجرد كلمات تقنية متغيرة. وبهذا نجزم ان جل التعاريف لمفهوم التنمية هي تقريب من خلال وصف للاليات المستعملة او المقاربات المعتمدة ... رغم ذلك تبقى التنمية بشكل أكثر تجريد هي كل فعل بشري فردي أو جماعي يسعى لتحقيق حياة أفضل في إطار مد وجزر بين المشاكل والحلول الممكنة...
التنمية هي الحياة، ولا معنى لحياة بدون إكراهات ومشاكل. من هنا جاءت فكرة تقاسم بعض الاكراهات قصد اغناء النقاش بعيون جيلنا وظروف عصرنا.
1.     إشكال الهوية والانتماء: العديدون لازالوا يربطون الهوية بالقبلية وبولد البلاد ويغالون في ذلك بطرق شتى، في حين أن واقع التنمية يفرض علينا تجاوز هذا المنظور الضيق إلى منظور يتلاءم وعصر العولمة والتكتلات الاقتصادية الكبرى. فهويتنا هي المشترك بين جميع المغاربة (الله-الوطن-الملك). هذا المشترك هو الوحيد الذي يمكنه استيعاب الاختلاف في أصولنا، في ثقافتنا، في لغاتنا ولهجاتنا من خلال نهج سياسة التعايش والتكامل والتضامن... ويجعلنا نسخر كل هذا التنوع لخدمة وحدة الوطن، وضمان استقراره وأمنه وتطوير اقتصاده وتبويئه المكانة اللائقة به إقليميا وقاريا...
هويتنا هي المغرب هي الشجرة التي جدورها في افريقيا وفروعها في الشراكة الاستراتيجية التي تربطه مع الاتحاد الأوروبي وتكتلات اقتصادية أخرى. وفي إطار هذا المنظور لابد أن نشير هنا على سبيل المثال  إلى أن :                                                                                                       نظام الجهوية الجديد (12 جهة) استبعد مفهوم القبلية اسميا وجغرافيا، وركز على خلق مجالات اقتصادية متكاملة قدر الإمكان...
ربط الرحامنة بالماء من سد المسيرة لم يعالج في إطار القبيلة الضيق بل جاء في إطار سياسة وطنية ممتدة على عقود لربط السد بطريق سيار للماء من الغرب وتزويد الجنوب بهده المادة الحيوية بدءا بتامنصورت...
ولد البلاد يبقى اذن ولد البلاد أينما كتب له ان يعيش، وأينما تيسر له الرزق.
2.     السلطة وحقوق الانسان: لازال البعض يعيش بعقلية ماضوية يتمثل من خلالها السلطة. فهذه الأخيرة هي العدو، هي القمع، هي الاستبداد بعينه، وبالتالي فكل عمل صادر عن هذه المؤسسة يكون مستهدفا بالتشكيك، ومجرد محاولة للتدجين والاحتواء. وهذا يتناقض بشكل صريح مع المفهوم الجديد للسلطة الذي تعتمده التنمية حاليا. فمؤسسة السلطة هي شريك أساسي لها دورها المحدد دستوريا في التنسيق والحرص على تطبيق القانون والامن وحماية الممتلكات وغيرها، مسؤولة مع باقي الشركاء على بناء دولة الحق والقانون، وترسيخ قيم العدل والمساواة...
هذا خيار لا رجعة فيه يتأكد يوميا من خلال:
·        المتابعة القانونية لكل رجل سلطة أو مسؤول سولت له نفسه تجاوز الحدود...
·        حق كل مواطن في التشكي والتظلم ضد أي كان وفقا للمساطير القانونية.
·        مأسسة الشأن الحقوقي عبر المجلس الوطني الاستشاري لحقوق الانسان في المسار التنموي دون إلغاء أو الالتفاق على دور الجمعيات الحقوقية الأخرى. للإشارة دور هذا المجلس يشار اليه أيضا بالتشكيك وبكونه أداة في يد المخزن لاحتواء الحركة الحقوقية )انظر الاستجواب الأخير مع محمد الصبار القيادي في المجلس بجريدة الاخبار عدد 728 السبت/الاحد 28-29/03/2015 ) وكيف حاولت المستجوبة استفزاز هذا المناضل بعقلية ماضوية ومحاولة اتهامه بقلب الفيستة .
·        خروج مؤسسة مراقبة التراب الوطني الى العمل العلني، وفتح أبواب التواصل حول الملفات الأمنية والإرهاب وتجارة المخدرات وغيرها... هذا الخروج يؤكد أيضا الخيار الاستراتيجي لبلدنا للعمل التنموي المؤسساتي المتكامل الأدوار ومسح اثار النظرة التقليدية لهذه الأجهزة عبر دمجها للقيام بدورها الدستوري الأساسي في التنمية...
3.     بطء المساطير، وعدم تحيين القوانين التنظيمية الخاصة بتفعيل الدستور الجديد والجهوية الموسعة التي اعتمدتها بلادنا كمتطلبات ملحة لتحقيق التنمية. هذا أيضا يعتبر من الاكراهات التي يجب تجاوزها بتفعيل دور المؤسسات التشريعية، وإعادة النظر في مساطير التنفيذ الغارقة في البيروقراطية.
4.     ربط المسؤولية بالمحاسبة والحرص على التدبير المبني على الحكامة الجيدة خطاب يتناقض مع واقع الحال ،حيث يجد المسؤولون أنفسهم بين سندان الوصاية والقوانين المجحفة ومطرقة محدودية مجال اتخاد القرار... وهنا تكون محاسبتهم تحصيل حاصل في غياب تعاقد صريح يحدد الأدوار والمسؤوليات  والمؤشرات التي على ضوئها تتم المحاسبة أو ما يصطلح عليه بالتدبير المتمحور حول النتائج (GAR)...
5.     مشهد سياسي ضعيف لازال لم يتحرر من لغة الخشب والديماغوجية، غايته استغلال هشاشة الكتلة الناخبة وعدم استقلالها المادي قصد الوصول الى المناصب، في تنسيق تام مع لولبيات المال والاقتصاد  أو الارتكان الى خطاب أيديولوجي ماضوي لا يسمن ولا يغني من جوع يجعل مجموعة من الأحزاب خارج سياق التنمية.
هذا الاكراه تتحمل مسؤوليته الأحزاب بعدم انخراطها في بناء ذاتها من خلال تجديد نخبها وتسطير برامجها شكلا ومضمونا، وكذلك بربط هذا البناء بتحقيق مصالح ضيقة للوبيات المتحكمة فيها ماديا. وبتعدد هده المصالح تتعدد الأحزاب حتى صرنا في واقع سياسي مبلقن. هذا عكس سياق التنمية الذي أصبح يتطلب تكتلات سياسية قوية تضمن له الوحدة والاستمرارية وقوة الترافع وسرعة الأداء، خاصة ان الغابة واحدة هي تحقيق الحياة الكريمة لجميع المغاربة...
6.     بطء الإصلاح في اوراش التعليم الصحة والعدل يجعلنا أمام واقع حال هش. تكتل بشري قارب 34مليون نسمة ضعيف الإنتاج، لا يعرف كيف ينمي كفاءاته وينظمها ويجعلها رهن إشارة التنمية، تنخره الأمراض في طريقه الى الشيخوخة. منظومة قضائية غير مستقلة، وولوجيات صعبة غير مفتوحة في وجه الجميع. هذه مشاكل تجعل التنمية شبه مستعصية بدون تجفيف هذا المستنقع، السبيل الوحيد للحفاظ على التوازنات وتسخير الرأس المال المادي واللامادي لتحقيق قيم العدالة والمساواة والكرامة.
7.     عدم التقه في المؤسسات عنوانه البارز التملص الضريبي، وتهريب الأموال، والمضاربة في الظلام في مجال العقار كل هذا يعيق التنمية. وللأسف الشديد عولج بمنطق عفا الله عما سلف في غياب بناء نظام ضريبي وعقاري منصف وعادل ومتعاقد عليه...


عبد العاطي بوشريط
يوم 31/03/2015

شارك :

التسميات:

لا تعليقات في " بعض الإكراهات الكبرى أمام التنمية "

  • لمشاهدة الإبتسامات اضغط على مشاهدة الإبتسامات
  • لإضافة كود معين ضع الكود بين الوسمين [pre]code here[/pre]
  • لإضافة صورة ضع الرابط بين الوسمين [img]IMAGE-URL-HERE[/img]
  • لإضافة فيديو يوتيوب فقط قم بلصق رابط الفيديو مثل http://www.youtube.com/watch?v=0x_gnfpL3RM