ملف : الحلقات الثلاث المفقودة في مسلسل المشروع التنموي بالرحامنة
نحن لسنا بصدد مسلسل رمضاني قصده الاثارة والتشويق بقدر مانحن امام مسلسل حقيقي عنوانه التنمية وحلقاته ثلاث تقلبت
احداثه مابين سنوات عجاف واخر سمان و ما بين عاصفة حزم
منطقة ظلت الى وقت قريب مغبونة واعادة الامل في نفوس ابنائها
بعدما ارتد البصر الى الهضبة الفوسفاطية بمجيء ابنها البار.
وانت جالس تتفرج على حلقات هذا المسلسل نحيلك على الحلقة الاولى منه :
لا يجادل اثنان في أن المشروع التنموي 2008 قد أعاد للرحامنة البريق الذي فقدته مند سنين خلت وذلك لأسباب سياسية وتاريخية جعلت مهمشة مقارنة بجاراتها من الجهات.هذا المشروع الملكي الذي حمل في طياته سياسة جديدة في التنمية ترتكز على سياسة الجهوية حرر الرحامنة من التأخر التاريخي الذي كان يعتريها فقفزت في مدة وجيزة عبر مشاريع ضخمة من كبريات الشركات الوطنية والعالمية والمؤسسات العملاقة التي استهواها الاستثمار بالمنطقة,فكانت أن قفزت الرحامنة إلى النجومية وطنيا ودوليا.
تسهيلات إدارية وحوافز مغرية جعلت المستثمر الوطني والأجنبي يركز اهتمامه على هذه الوجهة التي ظلت لسنوات مجهولة اللهم كتب التاريخ التي جعلت منها بلاد السيبة والجغرافيا التي اعتبرتها منجم للفوسفاط لا غير بدون تنمية اقتصادية أو بشرية,لكن الارادة خلقت التغيير مع مدينة خضراء بمقاييس عالمية وبوليتكنيك التي ستصدر الأدمغة للعالم ومركز الطاقات المتجددة ومجمع الصناعات الغذائية وكذلك اللوجستيك,كلها مشاريع عملاقة عرفت بابن جرير كمنطقة دولية في المستقبل.لكن ماذا عن المواطن المحلي الذي يجهل حجم ومردودية هذه المشاريع على مستقبله ووضعه الاجتماعي والاقتصادي؟
هذا التساؤل يطرح بدوره سؤالا آخر محوريا أين هي عناصر التواصل المحلية التي تشكل الأساس في نجاح التنمية بالمنطقة؟
صحيح أن المسؤولين استطاعوا أن يسوقوا للرحامنة وطنيا وخارجيا ,لكنهم للأسف تناسوا المواطن المحلي كأحد الركائز في العملية التنموية لأسباب تبقى تثير الاستغراب والتساؤل,هل هو عدم ثقة المسؤول المحلي في كفاءة الاعلام بالمنطقة,لكن الواقع يكذب ذلك هناك صحافة نشيطة بالرحامنة وأقلام ظلت تحاور وتناور كرقم أساسي في التنمية المحلية رغم الاقصاء ,فكانت النتيجة هو انتقاد المشروع التنموي من طرف الصحافة المحلية ووقوفها إلى جانب الساكنة في طرحهم السؤال عن ماذا قدمت لهم هذه المشاريع التي لا طالما تحدث عنها المسؤولون باستفاضة؟وذلك بناء على معطيات الواقع الذي مثلث له الاحتجاجات أكبر دليل على بعد المواطن من المسؤول,وغياب الوسيط الفعال الذي تمثله الصحافة كأحد الآليات لتسويق المشاريع التنموية بالمنطقة لدى الساكنة بطريقة تجعلهم يثقون في مستقبلهم ومستقبل أبنائهم ومشاريعهم بالرحامنة وبمسؤوليهم,لكن للأسف لا شيء من ذلك.
كان من المسؤول المحلي على الأقل الوقوف وقفة تأمل عبر تقييم المنجز وغير المنجز من أجل الوقوف على مكامن الخلل من أجل تجاز المعوقات المستقبلية,ويبدو أن القائمين على الشأن المحلي فطنوا في آخر لحظة لذلك,عبر إشراك الصحافة في عملية التنمية من خلال المصادقة على مشروع دار الصحافة التي ستكون لا محالة إحدى الآليات الحقيقية لشرح وتسويق المنجزات بالرحامنة بحكم قربها من المواطنين,والشيء نفسه بالنسبة لملتقى الاعلام الالكتروني المنظم من طرف الصحافة المحلية التي أبانت عن قدرتها في اطلاع مجموعة من الشخصيات الوطنية والأجنبية على التجربة الرائدة للمشروع التنموي الذي باتت الرحامنة مختبرا له,وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قدرة هذا الوسيط في التواصل مع أبناء المنطقة من خلال تتبع سير العملية التنموية وعلاقتها بها بالساكنة.
النخب المحلية : مابين الذهاب والاياب, اقتراب ام اغتراب
العنصر الثاني الغائب في المشروع التنموي بالرحامنة هو النخبة المغيبة لأسباب تبقى مجهولة,مما دفع بهذه الفئة إلى الانقسام على نفسها إلى ثلاث نخب محلية,فضلت أولاها مغادرة المنطقة وبناء المستقبل بعيدا عنها كإحدى آليات الاحتجاج للتعبير عن الاقصاء الذي تتعرض له النخبة المحلية,وبالفعل فقد نجح العديد منهم خارج أرض الرحامنة في وضع موطأ قدم لهم عبر مناصب عليا كان من الممكن أن تستفيد منهم المنطقة,وللأسف لم يتم قراءة فكر فؤاد عال الهمة في أول مشواره الانتخابي عندما جلب معه النخبة المحلية التي غادرت من قبل,حيث أعاد العديد منهم إلى الرحامنة الأم ,لكن للأسف ذهب الرجل ورحلت البقية اللهم ممن اضطرتهم الظروف إلى تحمل مناصب شكلت عقبة أمام رحيلهم من جديد. الفئة الثانية من النخبة المحلية هي تلك الشريحة التي اختارت الانزواء واعتزال المشاركة سواء منها السياسية أو الاقتصادية مفضلة قضاء جلسات مع الاصدقاء وتبادل أطراف الحديث بعيدا في الخوض في الشؤون المحلية بشكل مباشرة.أما الفئة الثالثة فهي تلك النخبة التي اختارت التعلق بأذيال المشروع التنموي حيثما مالت الرياح مالت ,كل ما يهمها من ذلك سوى مصالحها الاقتصادية الخاصة بعيدا عن المصلحة العامة التي الركن الأساسي في نجاح التنمية.
أمام هذا التغييب للنخبة المحلية التي هي جزء ومكون بارز للعلاقات الاجتماعية التي تشكل الساكنة المحلية ,لم يستطع المشروع التنموي الوصول بشكل واضح إلى المواطن بالرحامنة بل فقط من خلال وسائل الاتصال السمعي البصري أو من خلال مواطنين مغاربة لا ينتمون إلى المنطقة.والسؤال الذي يتم طرحه لماذا تم تغييب النخبة المحلية من المشروع التنموي بالرحامنة؟هل هذا الاقصاء هو مقصود لأسباب لا يعرفها المسؤول أم هو تغافل عن مكون أساسي مهم في عملية التنمية سقط من حسابات المسؤولين المحليين؟
الحلقة الثالثة المفقودة في المشروع التنموي بالرحامنة يتعلق بالمجتمع المدني وبخاصة الجمعيات التي تم التعامل معها على أساس مادي محض في غياب أي تكوين لأعضائها وتصور لاستراتيجية العمل من أجل تنزيلها على أرض الواقع فكانت النتيجة حتمية هو فراغ الجمعيات من الداخل على مستوى التنمية ,وبالتالي سيطرة المصلحة الخاصة لأعضاء أي جمعية ,لا ترى للعمل الجماعي أدنى قيمة وللمشاركة في المشروع التنموي الذي هو رهان الساكنة في المستقبل حسب المخططين له بالرحامنة سوى بقرة حلوب .بالطبع أننا لا نعمم ولكننا نعبر عن واقع تاريخي عاشته الجمعيات بالمنطقة,هو في حاجة إلى تعديل بسبب الحجر الذي كان يتعرض له العمل الجمعوي اللهم بعض من الجمعيات التي كانت تقاوم الحصار من أجل الارتقاء والتأسيس للعمل التشاركي الذي يركز على التأطير والتوعية للساكنة التي كانت تعاني الحرمان والتهميش .كان الأمل كبيرا مع المشروع التنموي أن يتم الإصلاح عبر تدارك الخطأ التاريخي والسياسي الذي حكم على جمعيات الرحامنة بالتأخر درجات في سلم الجمعيات الرائدة وطنيا,لكن للأسف كان الحل ضد التيار عبر دعم مادي أفقد الجمعيات بالرحامنة حس العمل المشترك والمشاركة في التسيير المحلي باقتراحات,فكانت النتيجة هو الاقصاء عبر إضعاف الجمعيات في خلق تصورات حقيقية,وذلك بإغداق الأموال عليها,التي شكلت ردة فعل محلية لم يسلم منها المسؤولون,حيث تم تفسير وتأويل ذلك لحساب سياسات انتخابية بحكم قرب موعد الاستحقاقات.والمسلمة المستخلصة من كل هذا هو ابعاد المجتمع المدني عن المشاركة في المشروع التنموي على كل المستويات التاريخية والسياسية والمادية,التي جعلت منها ديكورا تؤتث به متلقيات محلية لم تستطع إيصال المنجزات المستحدثة محليا فسارت على نفس درب المسؤولين المحليين وهو تسويق المنجز وطنيا ودوليا,ونتيجة ذلك اتساع الهوة بين القمة والقاعدة وعدم توافق واجماع على مشروع تنموي هو في الحقيقة جاء ليحقق الكرامة والعيش الكريم للمواطن,لكن للأسف في ظل غياب الحلقات الثلاث الصحافة والنخبة والمجتمع المدني تبقى الساكنة بعيدة عن مطامح المشروع الذي يرى المواطن المحلي أنه لا يخدم سوى جهات معينة وأنه لا يقدم الخبز الذي يحارب من أجله كل سكان الرحامنة.أمام غياب الواقعية في التعامل مع مكونات المشروع التنموي من خلال تهميشها غابت الديموقراطية المحلية لدى المواطن بالرحامنة الذي بات ينكر هذه المنجزات عن عمد ما دامت لم تقدم له الكرامة أو بات يجهلها لعلمه أنه لا يعلم بها إلا من جهات خارجية.
كان بالأحرى على القائمين على الشأن المحلي عمالة ومجلس حضري الانفتاح على كل الفاعلين المحليين الذين تم ذكرهم في هذا المقال أو الذين سقطوا سهوا بعقد لقاءات تشاورية ولو على سبيل الاستشارة من أجل توظيفها في تقييم مدى استجابة وتجاوب الشارع الرحماني مع سير عملية التنمية بالمنطقة.لكن للأسف أن المسؤولين اختاروا الطريق الأصعب بالسير لوحدهم بعيدا عن أية مشاركة محلية التي تبقى جزء لا يتجزأ من مشروع كان شعاره "الكرامة والعيش الكريم لكل مواطن بالرحامنة"هل تحقق ذلك بالفعل ؟الجواب في انتظار فتح الأبواب التي تحتكر المشروع في غياب الفعل التشاركي الذي يمكن أن ينهي كل الصراعات والانتقادات التي باتت تعبر عن نضج ووعي وخوف حقيقي على المنجز بالرحامنة الذي يشكل مستقبل ساكنتها.
وفي الختام فان اي تشابه مابين احداث المسلسل واحداث الواقع
هو ليس من ضرب الخيال.
لا تعليقات في " ملف : الحلقات الثلاث المفقودة في مسلسل المشروع التنموي بالرحامنة "